الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ : فِي النَّبَّاشِ : قَالَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ : يُقْطَعُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : لَا قَطْعَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ مَالًا مُعَرَّضًا لِلتَّلَفِ لَا مَالِكَ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَمْلِكُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُ السَّرِقَةَ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ سَاكِنٌ، وَإِنَّمَا تَكُونُ السَّرِقَةُ بِحَيْثُ تُتَّقَى الْأَعْيُنُ، وَيُتَحَفَّظُ مِنْ النَّاس، وَعَلَى نَفْي السَّرِقَةِ عَوَّلَ أَهْلُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَقُلْنَا : إنَّهُ سَارِقٌ ؛ لِأَنَّهُ تَدَرَّعَ اللَّيْلَ لِبَاسًا، وَاتَّقَى الْأَعْيُنَ، وَتَعَمَّدْ وَقْتًا لَا نَاظِرَ فِيهِ وَلَا مَارَّ عَلَيْهِ ؛ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ سَرَقَ فِي وَقْتِ تَبَرُّزِ النَّاسِ لِلْعِيدِ وَخُلُوِّ الْبَلَدِ مِنْ جَمِيعِهِمْ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الْقَبْرَ غَيْرُ حِرْزٍ فَبَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ حِرْزَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِ حَالِهِ الْمُمَكَّنَةِ فِيهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَا يُمْكِنُ تَرْكُ الْمَيِّتِ عَارِيًّا، وَلَا يُنْفَقُ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ دَفْنِهِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْفَنَ إلَّا مَعَ أَصْحَابِهِ ؛ فَصَارَتْ هَذِهِ الْحَاجَةُ قَاضِيَةً بِأَنَّ ذَلِكَ حِرْزُهُ، وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ الْأَرْضَ كِفَاتًا أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا ﴾ لَيَسْكُنَ فِيهَا حَيًّا وَيُدْفَنَ فِيهَا مَيِّتًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّهُ عُرْضَةٌ لِلتَّلَفِ فَكُلُّ مَا يَلْبَسُهُ الْحَيُّ أَيْضًا مُعَرَّضٌ لِلتَّلَفِ وَالْإِخْلَاقِ بِلِبَاسِهِ، إلَّا أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ أَعْجَلُ مِنْ الثَّانِي.


الصفحة التالية
Icon