الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : هَذَا إذَا كَانَ الدِّينُ قِوَامًا، وَلَمْ يَكُنْ الْمَالُ حَرَامًا ؛ فَأَمَّا إذَا فَسَدَ الدِّينُ عِنْدَ النَّاسِ، وَعَمَّ الْحَرَامُ فَالتَّبَتُّلُ وَتَرْكُ اللَّذَّاتِ أَوْلَى، وَإِذَا وُجِدَ الْحَلَالُ فَحَالُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ وَكَانَ داتشمند رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُول : إذْ عَمَّ الْحَرَامُ وَطَبَقَ الْبِلَادَ، وَلَمْ يُوجَدْ حَلَالٌ اُسْتُؤْنِفَ الْحُكْمُ، وَصَارَ الْكُلُّ مَعْفُوًّا عَنْهُ، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ أَحَقَّ بِمَا فِي يَدِهِ مَا لَمْ يَعْلَمْ صَاحِبَهُ.
وَأَنَا أَقُولُ : إنَّ هَذَا الْكَلَامَ مُنْقَاسٌ إذَا انْقَطَعَ الْحَرَامُ، فَأَمَّا وَالْغَصْبُ مُتَمَادٍ، وَالْمُعَامَلَاتُ الْفَاسِدَةُ مُسْتَمِرَّةٌ، وَلَا يَخْرُجُ الْمَرْءُ مِنْ حَرَامٍ إلَّا إلَى حَرَامٍ فَأَشْبَهَ الْمَعَاشُ مَنْ كَانَ لَهُ عَقَارٌ قَدِيمُ الْمِيرَاثِ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّتِهُ، وَمَا رَأَيْت فِي رِحْلَتِي أَحَدًا يَأْكُلُ مَالًا حَلَالًا مَحْضًا إلَّا سَعِيدًا الْمَغْرِبِيَّ، كَانَ يَخْرُجُ فِي صَائِفَةِ الْخِطْمِيِّ، فَيَجْمَعُ مِنْ زَرِيعَتِهِ قُوَّتَهُ وَيَطْحَنُهَا وَيَأْكُلُهَا بِزَيْتٍ يَجْلِبُهُ الرُّومُ مِنْ بِلَادِهِمْ.


الصفحة التالية
Icon