الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ ﴾ اُخْتُلِفَ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : إنَّهُ كُلُّ الْأَنْعَامِ ؛ قَالَهُ السُّدِّيُّ، وَالرَّبِيعُ، وَالضَّحَّاكُ.
الثَّانِي : إنَّهُ الْإِبِلُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْحَسَنُ.
الثَّالِثُ : إنَّهُ الظِّبَاءُ، وَالْبَقَرُ، وَالْحُمُرُ الْوَحْشِيَّانِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ : فِي الْمُخْتَارِ : أَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّ النَّعَمَ هِيَ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، فَقَدْ عَلِمْت صِحَّةَ ذَلِكَ دَلِيلًا، وَهُوَ أَنَّ النَّعَمَ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ اسْمٌ خَاصٌّ لِلْإِبِلِ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ ؛ قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَغَيْرُهُ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :﴿ وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ ﴾، وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا كُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمْ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ ﴾.
وَقَالَ :﴿ وَمِنْ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنْ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ ﴾.
فَهَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ : وَمِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا، أَيْ خَلَقَ جَنَّاتٍ وَخَلَقَ مِنْ الْأَنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشًا يَعْنِي كِبَارًا وَصِغَارًا، ثُمَّ فَسَّرَهَا فَقَالَ :﴿ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ ﴾ إلَى قَوْلِهِ :﴿ أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إذْ وَصَّاكُمْ اللَّهُ بِهَذَا ﴾.
وَقَالَ تَعَالَى :﴿ وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا ﴾ وَهِيَ الْغَنَمُ ﴿ وَأَوْبَارِهَا ﴾ وَهِيَ الْإِبِلُ ﴿ وَأَشْعَارِهَا ﴾ وَهِيَ الْمِعْزَى، ﴿ أَثَاثًا وَمَتَاعًا إلَى حِينٍ ﴾.
فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَدِلَّةٍ تُنْبِئُ عَنْ تَضَمُّنِ اسْمِ النَّعَمِ لِهَذِهِ الْأَجْنَاسِ الثَّلَاثَةِ : الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ؛ لِتَأْنِيسِ ذَلِكَ كُلِّهِ،