فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطِيبًا، فَأَمَرَ بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ، صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ رَأْسٍ، أَوْ صَاعِ بُرٍّ بَيْنَ اثْنَيْنِ }، وَبِهِ أَخَذَ سُفْيَانُ وَابْنُ الْمُبَارَكِ.
وَاَلَّذِي ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ صَاعٌ مِنْ الْكُلِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي سَعِيدٍ ؛ وَذَلِكَ كُلُّهُ مَشْهُورٌ.
وَاَلَّذِي أَوْقَعَهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْوَسَطُ مِنْ الْجِنْسِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ﴾ وَإِنَّمَا يُخْرِجُ الرَّجُلُ مِمَّا يَأْكُلُ.
وَقَدْ زَلَّتْ هَاهُنَا جُمْلَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ ؛ فَقَالُوا : إنَّهُ إذَا كَانَ يَأْكُلُ الشَّعِيرَ وَيَأْكُلُ النَّاسُ الْبُرَّ فَلْيُخْرِجْ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ، وَهَذَا سَهْوٌ بَيِّنٌ، فَإِنَّ الْمُكَفِّرَ إذَا لَمْ يَسْتَطِعْ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ إلَّا الشَّعِيرَ لَمْ يُكَلَّفْ أَنْ يُعْطِيَ لِغَيْرِهِ سِوَاهُ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ﴾.
فِي مَوْضِعٍ كَانَ فِيهِ الشَّعِيرُ وَالتَّمْرُ أَكْثَرَ مِنْ الْبُرِّ، وَالْبُرُّ أَكْثَرَ مِنْ الشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ، فَإِنَّمَا فَصَّلَ ذِكْرَهُمَا لِيُخْرِجَ كُلُّ أَحَدٍ فَرْضَهُ مِمَّا يَأْكُلُ مِنْهَا، وَهَذَا مِمَّا لَا خَفَاءَ بِهِ.
وَنَحْنُ نَقُولُ : أَرَادَ بِهِ الْجِنْسَ وَالْقَدْرَ جَمِيعًا، وَذَلِكَ مُدٌّ بِمُدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْعَدْلُ مِنْ الْقَدْرِ.
وَقَدْ بَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَفَّارَةِ الْأَذَى فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ.
وَالْفَرَقُ ثَلَاثَةُ آصُعٍ مُجْمَلُ قَوْلِهِ : صَدَقَةٌ، وَلَمْ يُجْمِلْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، بَلْ قَالَ ﴿ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ ﴾، وَقَدْ كَانَ عِنْدَهُمْ جِنْسُ مَا يُطْعِمُونَ وَقَدْرُهُ مَعْلُومًا، وَوَسَطُ الْقَدْرِ مُدٌّ، وَأَطْلَقَ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ فَقَالَ :﴿ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ﴾.
فَحُمِلَ عَلَى الْأَكْثَرِ، وَهَذِهِ سَبِيلُ مَهْيَعٌ