وَالْخَنْدَقَ وَالْمَشَاهِدَ كُلَّهَا.
فَقَالَ عُمَرُ :" أَلَا تَرُدُّونَ عَلَيْهِ مَا يَقُولُ " ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : إنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ أُنْزِلَتْ عُذْرًا لِمَنْ صَبَرَ وَحُجَّةً عَلَى النَّاسِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ ﴾ الْآيَةَ، ثُمَّ قَرَأَ حَتَّى أَنْفَذَ الْآيَةَ الْأُخْرَى ؛ فَإِنْ كَانَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ نَهَاهُ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ.
فَقَالَ عُمَرُ :" صَدَقْت، مَاذَا تَرَوْنَ " ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ :" إنَّهُ إذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَعَلَى الْمُفْتَرِي جَلْدُ ثَمَانِينَ ".
[ فَأَمَرَ بِهِ عُمَرُ فَجُلِدَ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ].
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَيَّاشِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ قَالَ : اسْتَعْمَلَ عُمَرُ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ، وَقَدْ كَانَ يَشْهَدُ بَدْرًا، وَهُوَ خَالُ ابْنِ عُمَرَ وَحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ زَادَ الْبَرْقَانِيُّ : فَقَدِمَ الْجَارُودُ مِنْ الْبَحْرَيْنِ، فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إنَّ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ قَدْ شَرِبَ مُسْكِرًا، وَإِنِّي إذَا رَأَيْت حَدًّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى حُقَّ عَلَيَّ أَنْ أَرْفَعَهُ إلَيْك.
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ :" مَنْ يَشْهَدُ لِي عَلَى مَا تَقُولُ ؟ " فَقَالَ : أَبُو هُرَيْرَةَ.
فَدَعَا عُمَرُ أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ :" عَلَامَ تَشْهَدُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ " ؟ فَقَالَ :" لَمْ أَرَهُ حِينَ شَرِبَ، وَقَدْ رَأَيْته سَكْرَانَ يَقِيءُ ".
فَقَالَ عُمَرُ :" لَقَدْ تَنَطَّعْت فِي الشَّهَادَةِ ".
ثُمَّ كَتَبَ عُمَرَ إلَى قُدَامَةَ وَهُوَ بِالْبَحْرَيْنِ يَأْمُرُهُ بِالْقُدُومِ عَلَيْهِ.
فَلَمَّا قَدِمَ قُدَامَةُ وَالْجَارُودُ بِالْمَدِينَةِ كَلَّمَ الْجَارُودُ عُمَرَ، فَقَالَ لَهُ : أَقِمْ عَلَى هَذَا كِتَابَ اللَّهِ فَقَالَ عُمَرُ لِلْجَارُودِ :" أَشَهِيدٌ أَنْتَ أَمْ خَصْمٌ " ؟ فَقَالَ الْجَارُودُ : أَنَا شَهِيدٌ.
قَالَ :" قَدْ كُنْت أَدَّيْت الشَّهَادَةَ ".
فَسَكَتَ الْجَارُودُ، ثُمَّ قَالَ