الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ ﴾ قَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ، وَمِثْلُ الشَّيْءِ حَقِيقَتُهُ وَهُوَ شَبَهُهُ فِي الْخِلْقَةِ الظَّاهِرَةِ، وَيَكُونُ مِثْلَهُ فِي مَعْنًى، وَهُوَ مَجَازُهُ ؛ فَإِذَا أُطْلِقَ الْمِثْلُ اقْتَضَى بِظَاهِرِهِ حَمْلَهُ عَلَى الشَّبَهِ الصُّورِيِّ دُونَ الْمَعْنَى، لِوُجُوبِ الِابْتِدَاءِ بِالْحَقِيقَةِ فِي مُطْلَقِ الْأَلْفَاظِ قَبْلَ الْمَجَازِ حَتَّى يَقْتَضِيَ الدَّلِيلُ مَا يَقْضِي فِيهِ مِنْ صَرْفِهِ عَنْ حَقِيقَتِهِ إلَى مَجَازِهِ ؛ فَالْوَاجِبُ هُوَ الْمِثْلُ الْخِلْقِيُّ ؛ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِالْمِثْلِ.
فِي الْقِيمَةِ دُونَ الْخِلْقَةِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إلَيْهِ الْآيَةُ الْمُتَقَدِّمَةُ، وَذَلِكَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ : مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْمِثْلَ حَقِيقَةً هُوَ الْمِثْلُ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ.
الثَّانِي : أَنَّهُ قَالَ :﴿ مِنْ النَّعَمِ ﴾ فَبَيَّنَ جِنْسَ الْمِثْلِ، وَلَا اعْتِبَارَ عِنْدَ الْمُخَالِفِ بِالنَّعَمِ بِحَالٍ.
الثَّالِثُ : أَنَّهُ قَالَ :﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ وَهَذَا ضَمِيرٌ رَاجِعٌ إلَى مِثْلِ مِنْ النَّعَمِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرٌ سِوَاهُ يَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَيْهِ.
وَالْقِيمَةُ الَّتِي يَزْعُمُ الْمُخَالِفُ أَنَّهُ يَرْجِعُ الضَّمِيرُ إلَيْهَا لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهَا ذِكْرٌ.
الرَّابِعُ : أَنَّهُ قَالَ :﴿ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾ وَاَلَّذِي يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْهَدْيُ مِثْلُ الْمَقْتُولِ مِنْ النَّعَمِ ؛ فَأَمَّا الْقِيمَةُ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ هَدْيًا.
فَإِنْ قِيلَ : الْقِيمَةُ مِثْلٌ شَرْعِيٌّ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى فِي الْحَيَوَانِ وَغَيْرِهِ، حَتَّى يُقَالَ الْقِيمَةُ مِثْلٌ لِلْعَبْدِ، وَلَا يَجْعَلُ فِي الْإِتْلَافِ مِثْلَهُ عَبْدًا يَغْرَمُ فِيهِ، وَأَوْجَبْنَا فِي ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ فِي الْمُتْلِفَاتِ الْمِثْلَ خِلْقَةً ؛ لِأَنَّ الطَّعَامَ كَالطَّعَامِ وَالدُّهْنَ كَالدُّهْنِ ؛ وَلَمْ يُوجَبْ فِي الْعَبْدِ عَبْدٌ مِثْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْخِلْقَةَ لَمْ تَقُمْ


الصفحة التالية
Icon