الْمَسْأَلَةُ الْمُوفِيَةُ عِشْرِينَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ ﴾ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : يُقِيمُ الْمُتْلِفُ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ فَقِيهَيْنِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ، فَيَنْظُرَانِ فِيمَا أَصَابَ، وَيَحْكُمَانِ عَلَيْهِ بِمَا رَأَيَاهُ فِي ذَلِكَ، فَمَا حَكَمَا عَلَيْهِ لَزِمَهُ.
وَاَلَّذِي عِنْدِي أَنَّهُ إنْ كَانَ الْإِمَامُ حَاضِرًا أَوْ نَائِبَهُ أَنَّهُ يَكُونُ الْحُكْمُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا أَقَامَ حِينَئِذٍ الْمُتْلِفُ مَنْ يَحْكُمُ عَلَيْهِ.
وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى التَّحْكِيمِ، وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : وَقَدْ تَقَدَّمَ الذِّكْرُ فِيهِ، وَلِأَجْلِهِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا : إنَّهُ يَجُوزُ حُكْمُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ ؛ وَذَلِكَ عِنْدِي صَحِيحٌ ؛ إذْ يَتَعَذَّرُ أَمْرُهُ.
وَقَدْ رَوَى جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيُّ قَالَ : أَصَبْت صَيْدًا، وَأَنَا مُحْرِمٌ، فَأَتَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَأَخْبَرْته، فَقَالَ :" ائْتِ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِك فَلْيَحْكُمَا عَلَيْك " فَأَتَيْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعْدًا، فَحَكَمَا عَلَيَّ بِتَيْسٍ أَعْفَرَ.
وَهُوَ أَيْضًا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى فَصْلَ الْقَضَاءِ رَجُلَانِ، وَقَدْ مَنَعَتْهُ الْجَهَلَةُ ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ اجْتِهَادِهِمَا يُوجِبُ تَوَقُّفَ الْأَحْكَامِ بَيْنَهُمَا، وَقَدْ بَعَثَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا وَأَبَا مُوسَى إلَى الْيَمَنِ، كُلُّ وَاحِدٍ عَلَى مِخْلَافٍ، وَبَعَثَ أُنَيْسًا إلَى الْمَرْأَةِ الْمَرْجُومَةِ، وَلَمْ يَأْتِ الِاشْتِرَاكُ فِي الْحُكْمِ إلَّا فِي هَذِهِ النَّازِلَةِ ؛ لِأَجْلِ أَنَّهَا عِبَادَةٌ لَا خُصُومَةَ فِيهَا، فَإِنْ اتَّفَقَا لَزِمَ الْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَإِنْ اخْتَلَفَا نُظِرَ فِي غَيْرِهِمَا.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمَوَّازِ : وَلَا يَأْخُذُ بِأَرْفَعِ قَوْلِهِمَا ؛ يُرِيدُ لِأَنَّهُ عَمَلٌ بِغَيْرِ تَحْكِيمٍ، وَكَذَلِكَ لَا يَنْتَقِلُ عَنْ الْمِثْلِ الْخِلْقِيِّ، إذَا حَكَمَا بِهِ، إلَى الطَّعَامِ ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ قَدْ لَزِمَ قَالَهُ ابْنُ شَعْبَانَ ؛ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ : إنْ