الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾ : الْمَعْنَى إذَا حَكَمَا بِالْمِثْلِ يَفْعَلُ بِهِ مَا يَفْعَلُ بِالْهَدْيِ، يُقَلِّدُهُ وَيُشْعِرُهُ، وَيُرْسِلُهُ إلَى مَكَّةَ وَيَنْحَرُهُ بِهَا، وَيَتَصَدَّقُ بِهِ فِيهَا ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :﴿ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾، وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ : وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْهَدْيَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ الْحَرَمِ.
وَاخْتُلِفَ هَلْ يُفْتَقَرُ إلَى حِلٍّ مَعَهُ ؟ فَقَالَ مَالِكٌ : لَا بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ يَبْتَاعُ بِالْحِلِّ، وَيُقَلِّدُ وَيُشْعِرُ، وَيَدْفَعُ إلَى الْحَرَمِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : لَا يَحْتَاجُ إلَى الْحِلِّ.
وَحَقِيقَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ بَالِغَ الْكَعْبَةِ ﴾ يَقْتَضِي أَنْ يَهْدِيَ مِنْ مَكَان يَبْلُغُ مِنْهُ إلَى الْكَعْبَةِ، وَلَمْ يُرِدْ الْكَعْبَةَ بِعَيْنِهَا ؛ فَإِنَّ الْهَدْيَ لَا يَبْلُغُهَا، إذْ هِيَ فِي الْمَسْجِدِ وَإِنَّمَا أَرَادَ الْحَرَمَ، وَلِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ : إنَّ الصَّغِيرَ مِنْ الْهَدْيِ يَجِبُ فِي الصَّغِيرِ مِنْ الصَّيْدِ، لِأَنَّهُ يَبْتَاعُهُ فِي الْحَرَمِ وَيُهْدِيه فِيهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ : لَا يَكُونُ الْجَزَاءُ فِي الصَّغِيرِ إلَّا بِالْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الْهَدْيَ الصَّغِيرَ لَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ إلَى الْحَرَمِ، وَهَذَا لَا يُغْنِي ؛ فَإِنَّ الصَّحَابَةَ قَضَتْ فِي الصَّغِيرِ صَغِيرًا، وَفِي الْكَبِيرِ كَبِيرًا، وَإِذَا تَعَذَّرَ حَمْلُهُ إلَى الْحَرَمِ حُمِلَتْ قِيمَتُهُ، كَمَا لَوْ قَالَ بِالْمَغْرِبِ : بَعِيرِي هَذَا هَدْيٌ، فَإِنَّهُ يُبَاعُ وَيُحْمَلُ ثَمَنُهُ إلَى مَكَّةَ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي صَغِيرِ الْهَدْيِ مِثْلُهُ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ : أَنَّ صَغِيرَ الْهَدْيِ مِثْلُ كَبِيرِهِ فِي الْقِيمَةِ، كَمَا أَنَّ صَغِيرَ الْآدَمِيِّ مِثْلُ كَبِيرِهِ فِي الدِّيَةِ.
وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ ؛ فَإِنَّ الدِّيَةَ مُقَدَّرَةٌ جَبْرًا، وَهَذَا مُقَدَّرٌ نَظَرًا، يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ، فَافْتَرَقَا.


الصفحة التالية
Icon