الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ ﴾ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : مَعْنَاهُ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ.
الثَّانِي : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ الْوَحْشِيَّةِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ.
الثَّالِثُ : أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ إلَّا مَا كَانَ مِنْهَا وَحْشِيًّا فَإِنَّهُ صَيْدٌ لَا يَحِلُّ لَكُمْ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ : فِي تَنْقِيحِهَا.
أَمَّا قَوْلُهُ : إنَّ مَعْنَاهُ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ فَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ وَالْأَخْفَشُ، وَقَالَا : فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَهُوَ جَائِزٌ فِي نِظَامِ الْكَلَامِ وَإِعْرَابِهِ ؛ وَهَذَا فَاسِدٌ ؛ إذْ لَا خِلَافَ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إذَا كَانَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ فَإِنَّهُ حَالٌ ؛ فَيَكُونُ تَقْدِيرُ الْآيَةِ :" أَوْفُوا بِالْعُقُودِ لَا مُحِلِّينَ لِلصَّيْدِ فِي إحْرَامِكُمْ ".
وَنَكْثُ الْعَهْدِ وَنَقْضُ الْعَقْدِ مُحَرَّمٌ، وَالْأَمْرُ بِالْوَفَاءِ مُسْتَمِرٌّ فِي هَذِهِ الْحَالِ وَفِي كُلِّ حَالٍ.
وَلَوْ اخْتَصَّ الْوَفَاءَ بِهَا فِي هَذِهِ الْحَالِ لَكَانَ مَا عَدَاهَا بِخِلَافٍ عَلَى رَأْيِ الْقَائِلِينَ بِدَلِيلِ الْخِطَابِ.
وَذَلِكَ بَاطِلٌ أَوْ يَكُونُ مَسْكُوتًا عَنْهُ.
وَإِنَّمَا ذَكَرَ الْأَقَلَّ مِنْ أَحْوَالِ الْوَفَاءِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَهَذَا تَهْجِينٌ لِلْكَلَامِ وَتَحْقِيرٌ لِلْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : أُحِلَّتْ لَكُمْ الْوَحْشِيَّةُ، فَهُوَ خَطَأٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ فِيهِ تَخْصِيصَ بَعْضِ الْمُحَلَّلَاتِ، وَهُوَ تَخْصِيصٌ لِلْعُمُومِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ لَا سِيَّمَا عُمُومٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَالثَّانِي : أَنَّهُ حَمْلٌ لِلَفْظِ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ عَلَى الْوَحْشِيَّةِ دُونَ الْإِنْسِيَّةِ، وَذَلِكَ تَفْسِيرٌ لِلَّفْظِ بِالْمَعْنَى التَّابِعِ لِمَعَانِيهِ الْمُخْتَلَفِ مِنْهَا فِيهِ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : مَعْنَاهُ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ إلَّا مَا


الصفحة التالية
Icon