الْمَسْأَلَةُ الْمُوفِيَةُ عِشْرِينَ : مَضَى فِي سَرْدِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ أَنَّ مِنْ الصَّحَابَةِ مَنْ قَالَ فِي جَنِينِ النَّاقَةِ أَوْ الشَّاةِ أَوْ الْبَقَرَةِ أَوْ نَحْوِهَا : إنَّهَا مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ الْمُحَلَّلَةِ.
وَلِلْعُلَمَاءِ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَنَّهُ حَلَالٌ بِكُلِّ حَالٍ ؛ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
الثَّانِي : أَنَّهُ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ، إلَّا أَنْ يُذَكَّى ؛ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
الثَّالِثُ : الْفَرْقُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَقَلَّ وَنَبَتَ شَعْرُهُ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِضْعَةً كَالْكَبِدِ وَالطِّحَالِ ؛ قَالَ مَالِكٌ.
وَتَعَلَّقَ بَعْضُهُمْ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ :﴿ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ ﴾.
وَلَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَصَحَّحَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَاخْتَلَفُوا فِي ذِكْرِ " ذَكَاةِ " الثَّانِيَةِ، هَلْ هِيَ بِرَفْعِ التَّاءِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ الثَّانِيَ وَلَا يَفْتَقِرُ الْجَنِينُ إلَى ذَكَاةٍ، أَوْ هُوَ بِنَصْبِ التَّاءِ فَيَكُونُ الْأَوَّلُ غَيْرَ الثَّانِي، وَيَفْتَقِرُ إلَى الذَّكَاةِ.
وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي الرِّسَالَةِ الْمُلْجِئَةِ، وَبَيَّنَّا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ " أَنَّ الْمُعَوَّلَ فِيهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْجَنِينِ بِجُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهَا، أَمْ يُعْتَبَرُ مُسْتَقِلًّا بِنَفْسِهِ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ الْإِنْصَافِ " الْحَقَّ فِيهَا، وَأَنَّهُ فِي مَذْهَبِنَا بِاعْتِبَارِ ذَكَاةِ الْمُسْتَقْبَلِ ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَسَنُشِيرُ إلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.