الْوَلِيدِ، وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنَ عُمَرَ، وَأُمَّ سَلَمَةَ، وَحَفْصَةَ، وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ عُمَرَ جَمَاعَةٌ، قَالُوا :﴿ إنَّ عُمَرَ جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ إنِّي أَصَبْت مَالًا بِخَيْبَرَ لَمْ أُصِبْ قَطُّ مَالًا أَنْفَسَ مِنْهُ يَعْنِي بِسَمْعٍ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : احْبِسْ الْأَصْلَ وَسَبِّلْ الثَّمَرَاتِ ﴾.
وَأَشَارَ بِهِ إلَى الصَّدَقَةِ الدَّائِمَةِ فَإِنَّهُ لَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ صَدَقَةً فَبِيعَ لَانْقَطَعَ أَجْرُهُ فِي الْحَبْسِ ؛ وَكَتَبَ عُمَرُ فِي شَرْطِهِ :" هَذَا مَا تَصَدَّقَ بِهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ صَدَقَةً لَا تُبَاعُ وَلَا تُورَثُ وَلَا تُوهَبُ، لِلْفُقَرَاءِ، وَالْقُرْبَى، وَالرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالضَّيْفِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ غَيْرَ مُتَأَثِّلٍ مَالًا ".
وَجَاءَ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ هَذِهِ أُمَّهَاتُهَا.
وَتَعَلَّقَ أَبُو حَنِيفَةَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَابَ عَلَى الْعَرَبِ مَا كَانَتْ تَفْعَلُ مِنْ تَسْيِيبِ الْبَهَائِمِ وَحِمَايَتِهَا وَحَبْسِ أَنْفُسِهَا عَنْهَا.
وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ عَابَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَصَرَّفُوا بِعُقُولِهِمْ بِغَيْرِ شَرْعٍ تَوَجَّهَ إلَيْهِمْ، أَوْ تَكْلِيفٍ فُرِضَ عَلَيْهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ : إنَّمَا عَابَ عَلَيْهِمْ أَنْ نَقَلُوا الْمِلْكَ إلَى غَيْرِ مَالِكٍ، وَالْمِلْكُ قَدْ عَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْأَمْوَالِ، وَجَعَلَ الْأَيْدِي تَتَبَادَلُ فِيهِ بِوُجُوهٍ شَرْعِيَّةٍ، أَوْ تَبْطُلُ فِي الْأَعْيَانِ بِمَعَانٍ قَرِيبَةٍ، كَالْعِتْقِ وَالْهَدْيِ ؛ فَأَمَّا هَذِهِ الطَّرِيقُ فَبِدْعَةٌ.
قُلْنَا : بَلْ سُنَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ.
جَوَابٌ ثَانٍ : وَذَلِكَ أَنَّ الْحَبْسَ عِنْدَنَا لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ ؛ بَلْ يَبْقَى عَلَى حُكْمِ مَالِكِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْحَبْسُ فِي الْغَلَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي يُنْقَلُ الْمِلْكُ إلَى الْمَحْبُوسِ