الْعَمَلِ فِيهِ وَالِاخْتِلَافَ عَلَيْهِ.
وَيَعْضُدُ ذَلِكَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :﴿ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيُغَيِّرْهُ بِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَلْيُغَيِّرْهُ بِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ﴾.
وَلِهَذَا الْمَعْنَى حَدَّثَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَصْعَدَ الْمِنْبَرَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ، فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ : ذَهَبَ مَا كُنْت تَعْلَمُ.
فَسَكَتَ أَبُو سَعِيدٍ، وَذَكَرَ نَحْوَ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ ؛ إذْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مُخَالَفَةِ الْمَلِكِ، وَلَا اسْتَطَاعَ مُنَازَعَةَ الْإِمَارَةِ، وَسَكَتَ.
فَإِنْ قِيلَ : لِمَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ النَّاسِ، وَلِمَ يَحْضُرُ بِدْعَةً، وَيُقِيمُ سُنَّةً مُبْدَلَةً ؟ قُلْنَا : فِي الْجَوَابِ وَجْهَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا قَالَ عُثْمَانُ، حِينَ قِيلَ لَهُ إنَّهُ يُصَلِّي لَنَا إمَامُ فِتْنَةٍ.
قَالَ :" الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَفْعَلُ النَّاسُ ؛ فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ، وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إسَاءَتَهُمْ ".
الثَّانِي : أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ لَمْ يَسْتَطِعْ الْخُرُوجَ ؛ فَإِنَّ الْمَوْضِعَ كَانَ مُحَاطًا بِهِ مِنْ الْحَرَسِ مَشْحُونًا بِحَاشِيَةِ مَرْوَانَ، يَحْفَظُونَ أَعْمَالَ النَّاسِ، وَيَلْحَظُونَ حَرَكَاتِهِمْ، فَلَوْ خَرَجَ أَبُو سَعِيدٍ لَخَافَ أَنْ يَلْقَى هَوَانًا، فَأَقَامَ مَعَ النَّاسِ فِي الطَّاعَةِ، وَخَلَصَ بِنَفْسِهِ مِنْ التَّبَاعَةِ.


الصفحة التالية
Icon