فَمَعْنَى قَوْلِهِ :﴿ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ ﴾، أَيْ شَهَادَةُ اخْتِلَافِكُمْ وَتَنَازُعِكُمْ ؛ فَتَكُونُ الشَّهَادَةُ مُضَافَةً إلَى الْمَصْدَرِ، لَا إلَى الظَّرْفِ وَلَا عَلَى تَقْدِيرٍ مَحْذُوفٍ.
وَهَذِهِ غَايَةُ الْبَيَانِ، وَلَوْ هُدِيَ لَهُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْآيَةِ وَمَا تَخَبَّطَ فِيهَا وَلَا خَلَطَ مَعَانِيهَا.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ ﴾ : وَلَفْظُ ﴿ حَضَرَ ﴾ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْوُجُودِ مُشَاهَدَةً، وَضِدُّهُ غَابَ، وَهُوَ أَيْضًا عِبَارَةٌ عَنْ الْوُجُودِ الَّذِي لَمْ يُشَاهَدْ، وَقَدْ يُعَبَّرُ بِقَوْلِك :" غَابَ " عَنْ الْمَعْدُومِ.
وَالْبَارِي سُبْحَانَهُ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ؛ أَيْ عَالِمُ الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ ؟ لِأَنَّهُ مِثْلُ الْوُجُودِ فِي عَدَمِ الْمُشَاهَدَةِ.
وَقَدْ وَرَدَتْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ عِبَارَةً عَنْ الْمَوْتِ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقِيقَةً، وَهُوَ فِي قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ ﴾.
وَفِي قَوْلِهِ :﴿ حَتَّى إذَا جَاءَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴾ فَهُوَ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ حَقِيقَةُ الْوُجُودِ مُشَاهَدَةً.
وَأَمَّا وُرُودُهَا مَجَازًا فَبِأَنْ يُعَبَّرَ عَنْ حُضُورِ سَبَبِهِ بِحُضُورِهِ، وَهُوَ الْمَرَضُ، فَيُعَبَّرَ عَنْ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ، وَهُوَ أَحَدُ قِسْمَيْ الْمَجَازِ، كَمَا بَيَّنَّاهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.