الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ﴾ مَعْنَاهُ : تَطْلُبُوا مَا قُسِمَ لَكُمْ، وَجَعْلُهُ مِنْ حُظُوظِكُمْ وَآمَالِكُمْ وَمَنَافِعِكُمْ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ فِسْقٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ فَإِنَّهُ تَعَرُّضٌ لِعِلْمِ الْغَيْبِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْغَيْبِ وَلَا يَطْلُبُهُ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ رَفَعَهُ بَعْدَ نَبِيِّهِ إلَّا فِي الرُّؤْيَا.
فَإِنْ قِيلَ : فَهَلْ يَجُوزُ طَلَبُ ذَلِكَ فِي الْمُصْحَفِ.
قُلْنَا : لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمُصْحَفُ لِيُعْلَمَ بِهِ الْغَيْبُ ؛ إنَّمَا بُيِّنَتْ آيَاتُهُ، وَرُسِمَتْ كَلِمَاتُهُ لِيُمْنَعَ عَنْ الْغَيْبِ ؛ فَلَا تَشْتَغِلُوا بِهِ، وَلَا يَتَعَرَّضْ أَحَدُكُمْ لَهُ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ : فَإِنْ قِيلَ : فَالْفَأْلُ وَالزَّجْرُ كَيْفَ حَالُهُمَا عِنْدَك ؟ قُلْنَا : أَمَّا الْفَأْلُ فَمُسْتَحْسَنٌ بِاتِّفَاقٍ.
وَأَمَّا الزَّجْرُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ ؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفَأْلَ فِيمَا يَحْسُنُ، وَالزَّجْرُ فِيمَا يُكْرَهُ.
وَإِنَّمَا نَهَى الشَّارِعُ عَنْ الزَّجْرِ لِئَلَّا تَمْرَضَ بِهِ النَّفْسُ وَيَدْخُلَ عَلَى الْقَلْبِ مِنْهُ الْهَمُّ، وَإِلَّا فَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ [ فِي الشَّرْعِ ] عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ حَيْثُ وَرَدَ ذِكْرُهُ فِيهِ.
الْمَسْأَلَةُ الْمُوفِيَةُ عِشْرِينَ : الْأَزْلَامِ.
كَانَتْ قِدَاحًا لِقَوْمٍ وَحِجَارَةً لِآخَرِينَ، وَقَرَاطِيسَ لِأُنَاسٍ، يَكُونُ أَحَدُهَا غُفْلًا، وَفِي الثَّانِي " افْعَلْ " أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَفِي الثَّالِثِ " لَا تَفْعَلْ " أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، ثُمَّ يَخْلِطُهَا فِي جَعْبَةٍ أَوْ تَحْتَهُ ثُمَّ يُخْرِجُهَا مَخْلُوطَةً مَجْهُولَةً، فَإِنْ خَرَجَ الْغُفْلُ أَعَادَ الضَّرْبَ حَتَّى يَخْرُجَ لَهُ " افْعَلْ " أَوْ " لَا تَفْعَلْ " وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ أَصْنَامِهِمْ ؛ فَيَمْتَثِلُونَ مَا يَخْرُجُ لَهُمْ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ هِدَايَةٌ مِنْ الصَّنَمِ لِمَطْلَبِهِمْ.
وَكَذَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ