الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اخْتَلَفَ النَّاسُ : هَلْ الْفِرَارُ يَوْمَ الزَّحْفِ مَخْصُوصٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ أَمْ عَامٌّ فِي الزُّحُوفِ كُلِّهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ؟ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ ؛ وَبِهِ قَالَ نَافِعٌ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، وَالضَّحَّاكُ.
وَيُرْوَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَائِرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْآيَةَ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا شَذَّ مَنْ شَذَّ بِخُصُوصِ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ بِقَوْلِهِ :﴿ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ ﴾ فَظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى يَوْمِ بَدْرٍ، وَلَيْسَ بِهِ ؛ وَإِنَّمَا ذَلِكَ إشَارَةٌ إلَى يَوْمِ الزَّحْفِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الْقِتَالِ وَانْقِضَاءِ الْحَرْبِ، وَذَهَابِ الْيَوْمِ بِمَا فِيهِ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَسْبَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ أَنَّ الْكَبَائِرَ كَذَا.
وَعِنْدَ الْفِرَارِ يَوْمَ الزَّحْفِ.
وَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ يَرْفَعُ الْخِلَافَ، وَيُبَيِّنُ الْحُكْمَ، وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى النُّكْتَةِ الَّتِي وَقَعَ الْإِشْكَالُ فِيهَا لِمَنْ وَقَعَ بِاخْتِصَاصِهِ بِيَوْمِ بَدْرٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : أَمَّا يَوْمُ بَدْرٍ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَفِرُّوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا يُسْلِمُوهُ لِأَعْدَائِهِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ عَلَى الْأَرْضِ عَيْنٌ تُطْرَفُ.
وَأَمَّا سَائِرُ الْجُيُوشِ وَأَيَّامُ الْقِتَالِ فَلَهَا أَحْكَامٌ تُسْتَقْصَى فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.