وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْجَاهِلِيَّةَ كَانُوا يَرَوْنَ لِلرَّئِيسِ فِي الْغَنِيمَةِ مَا قَالَ الشَّاعِرُ : لَك الْمِرْبَاعُ مِنْهَا وَالصَّفَايَا وَحُكْمُك وَالنَّشِيطَةُ وَالْفُضُولُ فَكَانَ يَأْخُذُ بِغَيْرِ شَرْعٍ وَلَا دِينٍ الرُّبُعَ مِنْ الْغَنِيمَةِ ؛ وَيَصْطَفِي مِنْهَا، ثُمَّ يَتَحَكَّمُ بَعْدَ الصَّفِيِّ فِي أَيِّ شَيْءٍ أَرَادَ، وَكَانَ مَا شَذَّ مِنْهَا لَهُ، وَمَا فَضَلَ مِنْ خُرْثِيٍّ وَمَتَاعٍ ؛ فَأَحْكَمَ اللَّهُ الدَّيْنَ بِقَوْلِهِ :﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ﴾ وَأَبْقَى سَهْمَ الصَّفِيِّ لِرَسُولِهِ، وَأَسْقَطَ حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا أَوْ أَوْسَعُ مِنْهُ عِلْمًا.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : ادَّعَى الْمُقَصِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ خُمُسَ الْخُمُسِ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْرِفُهُ : فِي كِفَايَةِ أَوْلَادِهِ وَنِسَائِهِ، وَيَدَّخِرُ مِنْ ذَلِكَ قُوتَ سَنَتِهِ، وَيَصْرِفُ الْبَاقِيَ إلَى الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ ؛ وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الدَّلِيلَ قَدْ تَقَدَّمَ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ كُلَّهُ لِرَسُولِهِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ، وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ فِيكُمْ ﴾.
الثَّانِي : مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ : قَالَ : بَيْنَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ عُمَرَ أَتَاهُ حَاجِبُهُ يَرْفَأُ، فَقَالَ : هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ، وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَسْتَأْذِنُونَ ؟ قَالَ : نَعَمْ.
فَأَذِنَ لَهُمْ، فَدَخَلُوا فَسَلَّمُوا وَجَلَسُوا، ثُمَّ جَلَسَ يَرْفَأُ يَسِيرًا، ثُمَّ قَالَ : هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ، فَأَذِنَ لَهُمَا فَدَخَلَا فَسَلَّمَا وَجَلَسَا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا، وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِيمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ بَنِي النَّضِيرِ.
فَقَالَ الرَّهْطُ عُثْمَانُ وَأَصْحَابُهُ : يَا أَمِيرَ