الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ :﴿ الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ﴾ : أَمَّا التَّخْفِيفُ فَهُوَ حَطُّ الثِّقَلِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ :﴿ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ﴾ فَمَعْنَى تَعَلُّقِ الْعِلْمِ بِالْآنِ، وَإِنْ كَانَ الْبَارِي لَمْ يَزَلْ عَالِمًا لَيْسَ لِعِلْمِهِ أَوَّلُ، وَلَكِنَّ وَجْهَهُ : أَنَّ الْبَارِيَ يَعْلَمُ الشَّيْءَ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ، وَهُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ، وَهُوَ بِهِ عَالِمٌ، إذَا كَانَ بِذَلِكَ الْعِلْمِ الْأَوَّلِ فَإِنَّهُ عَالِمُ الشَّهَادَةِ، وَبَعْدَ الشَّيْءِ، فَيَكُونُ بِهِ عَالِمًا بِذَلِكَ الْعِلْمِ بَعْدَ عَدَمِهِ، وَيَتَعَلَّقُ عِلْمُهُ الْوَاحِدَ الَّذِي لَا أَوَّلَ لَهُ بِالْمَعْلُومَاتِ عَلَى اخْتِلَافِهَا وَتَغَيُّرِ أَحْوَالِهَا، وَعِلْمُهُ لَا يَخْتَلِفُ وَلَا يَتَغَيَّرُ.
وَقَدْ ضَرَبْنَا لِذَلِكَ مِثَالًا يَسْتَرْوِحُ إلَيْهِ النَّاظِرُ ؛ وَهُوَ أَنَّ الْوَاحِدَ مِنَّا يَعْلَمُ الْيَوْمَ أَنَّ الشَّمْسَ تَطْلُعُ غَدًا، ثُمَّ يَرَاهَا طَالِعَةً، ثُمَّ يَرَاهَا غَارِبَةً، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ عِلْمٌ مُجَدَّدٌ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ قَدَّرْنَا بَقَاءَ الْعِلْمِ الْأَوَّلِ لَكَانَ وَاحِدًا يَتَعَلَّقُ بِهَا، وَعِلْمُ الْبَارِي وَاجِبُ الْأَوَّلِيَّةِ، وَاجِبُ الْبَقَاءِ، يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ التَّغَيُّرُ ؛ فَانْتَظَمَتْ الْمَسْأَلَةُ، وَتَمَكَّنَتْ بِهَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ الْمَعْرِفَةُ.