وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ إحْدَى وَخَمْسُونَ آيَةً : الْآيَةُ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى :﴿ بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾.
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْله تَعَالَى :﴿ بَرَاءَةٌ ﴾ : أَيْ هَذِهِ الْآيَاتُ بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ؛ يُقَالُ : بَرِئْت مِنْ الشَّيْءِ أَبْرَأُ بَرَاءَةً فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ : إذَا أَزَلْته عَنْ نَفْسِك، وَقَطَعْت سَبَبَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنِك.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾ : وَلَمْ يُعَاهِدْهُمْ إلَّا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحْدَهُ، وَلَكِنَّهُ كَانَ الْآمِرَ وَالْحَاكِمَ، وَكُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ أَوْ أَحْكَمَهُ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْأُمَّةِ، مَنْسُوبٌ إلَيْهِمْ، مَحْسُوبٌ عَلَيْهِمْ، يُؤَاخَذُونَ بِهِ ؛ إذْ لَا يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ ؛ فَإِنَّ تَحْصِيلَ الرِّضَا فِي ذَلِكَ مِنْ الْجَمِيعِ مُتَعَذَّرٌ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : اخْتِلَافُ الْآرَاءِ، وَامْتِنَاعُ الِاتِّفَاقِ عَلَى مَذْهَبٍ وَاحِدٍ.
وَالثَّانِي : كَثْرَةُ عَدَدِهِمْ الْمَانِعِ مِنْ تَحْصِيلِ رِضَا جَمِيعِهِمْ، فَوَقَعَ الِاجْتِزَاءُ بِالْمُقَدَّمِ مِنْ الْوَجْهَيْنِ ؛ فَإِذَا عَقَدَ الْإِمَامُ بِمَا يَرَاهُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ أَمْرًا لَزِمَ الرَّعَايَا حُكْمُهُ، فَإِذَا رَضُوا بِهِ كَانَ أَثْبَتَ لِنِسْبَتِهِ إلَيْهِمْ، كَمَا نُسِبَ عَهْدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُسْلِمِينَ، لِكَوْنِهِمْ بِهِ رَاضِينَ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ لِلْجَمَاعَةِ، وَهُوَ مُضَافٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى طَرِيقِ التَّعْظِيمِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْوَاحِدِ الْعَظِيمِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ.