الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾ : وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْمُعَاهِدَ كَانَ مُشْرِكًا، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنْ كَانُوا أَيْضًا مُشْرِكِينَ ؟ لِأَنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَخْصُوصًا بِالْعَرَبِ أَهْلِ الْأَوْثَانِ، وَكَانُوا عَلَى قِسْمَيْنِ : مِنْهُمْ مَنْ كَانَ أَجَلُ عَهْدِهِ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ، فَأَمْهَلَ الْكُلَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ.
وَقِيلَ : مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ أُجِّلَ خَمْسِينَ لَيْلَةً : عِشْرِينَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمِ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ :﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ ﴾.
وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ الْقَاضِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : الَّذِي عِنْدِي أَنَّ هَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ أَحَدٍ مِمَّنْ لَهُ عَهْدٌ دُونَ مَنْ لَا عَهْدَ لَهُ ؛ لِقَوْلِهِ :﴿ إلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ﴾.
فَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ أُجِّلَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَيُحِلُّ دَمَهُ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ الْإِحْلَالِ لِدَمِهِ بِالْكُفْرِ الْمَوْجُودِ بِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرِ أَيْضًا أَجَلًا لِمَنْ كَانَتْ مُدَّتُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.
وَيَكُونَ إسْقَاطُ الزِّيَادَةِ تَخْصِيصًا لِلْمُدَّةِ، كَمَا أَخْرَجَ اللَّهُ النِّسَاءَ مِنْ أَعْدَادِ مَنْ صُولِحَ عَلَيْهِ فِي الْحُدَيْبِيَةِ، بِحَسَبِ مَا يَظْهَرُ مِنْ الْمَصْلَحَةِ لِلْإِمَامِ، وَالتَّمَادِي عَلَى الْعَهْدِ، أَوْ الرُّجُوعِ عَنْهُ، حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ قَبْلُ.