إرْسَالُ الرُّسُلِ، وَتَأْيِيدُهُمْ بِالْمُعْجِزَاتِ النَّازِلَةِ مَنْزِلَةَ قَوْلِهِ : صَدَقْتُمْ أَيُّهَا الرُّسُلُ، فَإِذَا أَنْكَرَ أَحَدٌ الرُّسُلَ أَوْ كَذَّبَهُمْ فِيمَا يُخْبِرُونَ عَنْهُ مِنْ التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ، وَالْأَوَامِرِ وَالنَّدْبِ، فَهُوَ كَافِرٌ، وَكُلُّ جُمْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ لَهُ تَفْصِيلٌ تَدُلُّ عَلَيْهِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الَّتِي أَشَرْنَا، بِهَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي التَّكْفِيرِ بِذَلِكَ التَّفْصِيلِ، وَالتَّفْسِيقِ وَالتَّخْطِئَةِ وَالتَّصْوِيبِ ؛ وَذَلِكَ كَالْقَوْلِ فِي التَّشْبِيهِ وَالتَّجْسِيمِ وَالْجِهَةِ، أَوْ الْخَوْضِ فِي إنْكَارِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، وَالْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ وَالْحَيَاةِ، فَهَذِهِ الْأُصُولُ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا بِلَا إشْكَالٍ.
وَكَقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ : إنَّ الْعِبَادَ يَخْلُقُونَ أَفْعَالَهُمْ، وَإِنَّهُمْ يَفْعَلُونَ مَا لَا يُرِيدُهُ اللَّهُ، وَإِنَّ نُفُوذَ الْقَضَاءِ وَالْقَدْرِ عَلَى الْخَلْقِ بِالنَّارِ جَوْرٌ.
وَكَقَوْلِ الْمُشَبِّهَةِ : إنَّ الْبَارِيَ جِسْمٌ، وَإِنَّهُ يَخْتَصُّ بِجِهَةٍ، وَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الْمُحَالِ، وَإِنَّهُ تَعَالَى قَدْ نَصَّ عَلَى كُلِّ حَادِثَةٍ مِنْ الْأَحْكَامِ.
وَهَذَا كُلُّهُ كَذِبٌ صُرَاحٌ، وَبَعْدَ هَذَا تَفَاصِيلُ يَنْبَنِي عَلَيْهَا وَيُجَرُّ إلَيْهَا، وَفِي التَّكْفِيرِ بِهَا تَدْقِيقٌ.
وَمِنْ أَعْظَمِ الْإِشَارَةِ بِقَوْلِهِ : وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الْإِخْبَارُ عَنْ النَّصَارَى الَّذِينَ يَقُولُونَ : إنَّ نَعِيمَ الْجَنَّةِ وَعَذَابَ النَّارِ مَعَانٍ ؛ كَالسُّرُورِ وَالْهَمِّ، وَلَيْسَتْ صُوَرًا، وَلَا فِيهَا أَكْلٌ وَلَا شُرْبٌ، وَلَا وَطْءٌ وَلَا حَيَاةٌ، وَلَا مُهْلٌ يُشْرَبُ، وَلَا نَارٌ تَلَظَّى.
وَقَوْلُهُ :﴿ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ﴾ إخْبَارٌ عَمَّا كَانَتْ الْعَرَبُ تَفْعَلُهُ مِنْ التَّحْرِيمِ بِعُقُولِهَا فِي السَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ، وَمَا يَخْتَصُّ بِتَحْرِيمِهِ الْإِنَاثُ دُونَ الذُّكُورِ، إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَقْوَالِ الزُّورِ، وَعَمَّا كَانَتْ الرُّهْبَانُ تَفْعَلُهُ، وَالْأَحْبَارُ مِنْ الْيَهُودِ تَبْتَدِعُهُ مِنْ تَحْرِيمِ