مَرَرْت بِالرَّبَذَةِ، فَإِذَا أَنَا بِأَبِي ذَرٍّ، فَقُلْت لَهُ : مَا أَنْزَلَك مَنْزِلَك هَذَا ؟ قَالَ : كُنْت بِالشَّامِ، فَاخْتَلَفْت أَنَا وَمُعَاوِيَةُ فِي :﴿ وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ : نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ.
فَقُلْت : نَزَلَتْ فِينَا وَفِيهِمْ، وَكَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ [ رِيبَةٌ ] فِي ذَلِكَ.
فَكَتَبَ إلَى عُثْمَانَ يَشْكُونِي، فَكَتَبَ إلَيَّ عُثْمَانُ أَنْ أَقْدُمَ الْمَدِينَةَ.
فَقَدِمْتُهَا، فَكَثُرَ عَلَيَّ النَّاسُ حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْنِي قَبْلَ ذَلِكَ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعُثْمَانَ.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ : حَتَّى آذَوْنِي.
فَقَالَ لِي عُثْمَانُ : إنْ شِئْت تَنَحَّيْت فَكُنْت قَرِيبًا، فَذَاكَ الَّذِي أَنْزَلَنِي هَذَا الْمَنْزِلَ، وَلَوْ أَمَّرُوا عَلَيَّ حَبَشِيًّا لَسَمِعْت وَأَطَعْت.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ عِنْدَ الصَّحَابَةِ يُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ.
وَذَهَبَ عُمَرُ إلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ؛ نَسَخَتْهَا :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾ ؛ قَالَ عِرَاكُ بْنُ مَالِكٍ : وَلَا شَكَّ فِي أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : فِي تَنْقِيحِ الْأَقْوَالِ، وَجَلَاءِ الْحَقِّ : وَذَلِكَ يَنْحَصِرُ فِي ثَلَاثَةِ مَدَارَكَ : الْمُدْرَكُ الْأَوَّلُ : أَنَّ الْكُلَّ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَاهَا وَقُضِيَتْ بَقِيَ الْمَالُ مُطَهَّرًا، كَمَا قَالَ عُمَرُ.
الْمُدْرَكُ الثَّانِي : أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدْ أَكَّدَ اللَّهُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ :﴿ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾.
الْمُدْرَكُ الثَّالِثُ : تَخْلِيصُ الْحَقِّ مِنْ هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ، فَنَقُولُ : أَمَّا الْكَنْزُ فَهُوَ مَالٌ مَجْمُوعٌ، لَكِنْ لَيْسَ كُلُّ مَالٍ دِينَ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ حَقٌّ، وَلَا حَقَّ لِلَّهِ سِوَى الزَّكَاةُ ؛ فَإِخْرَاجُهَا يُخْرِجُ الْمَالَ عَنْ وَصْفِ الْكَنْزِيَّةِ، ثُمَّ إنَّ الْكَنْزَ لَا


الصفحة التالية
Icon