إنَّمَا يَجْمَعُونَ لِلدُّنْيَا، وَاَللَّهِ لَا أَسْأَلُهُمْ دُنْيَا، وَلَا أَسْتَفْتِيهِمْ عَنْ دِينٍ، حَتَّى أَلْقَى اللَّهَ }.
قَالَ الْقَاضِي : الْحَلَمَةُ : طَرَفُ الثَّدْيِ، وَالنُّغْضُ، بَارِزُ عَظْمِ الْكَتِفِ الْمُحَدَّدِ.
وَرِوَايَةُ أَبِي ذَرٍّ لِهَذَا الْحَدِيثِ صَحِيحَةٌ، وَتَأْوِيلُهُ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَإِنَّ أَبَا ذَرٍّ حَمَلَهُ عَلَى كُلِّ جَامِعٍ لِلْمَالِ مُحْتَجِزٍ لَهُ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ مَنْ احْتَجَنَهُ وَاكْتَنَزَهُ عَنْ الزَّكَاةِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَمْرَانِ : أَحَدُهُمَا : مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ، يُطَوِّفُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشَدْقَيْهِ يَقُولُ : أَنَا مَالُك، أَنَا كَنْزُك.
ثُمَّ قَرَأَ :﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ ﴾.
وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ.
قَالَ الْقَاضِي : قَوْلُهُ : مَا لَمْ تُؤَدَّ زَكَاتُهُ، يُرِيدُ أَوْ حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِهِ، كَفَّكِ الْأَسِيرِ، وَحَقِّ الْجَائِعِ، وَالْعَطْشَانِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْحُقُوقَ الْعَارِضَةَ كَالْحُقُوقِ الْأَصْلِيَّةِ.
وَقَوْلُهُ : مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا يَعْنِي حَيَّةً.
وَهَذَا تَمْثِيلُ حَقِيقَةٍ ؛ لِأَنَّ الشُّجَاعَ جِسْمٌ وَالْمَالَ جِسْمٌ، فَتَغَيُّرُ الصِّفَاتِ وَالْجِسْمِيَّةِ وَاحِدَةٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ : يُؤْتَى بِالْمَوْتِ فَإِنَّ تِلْكَ طَرِيقَةٌ أُخْرَى.
وَإِنَّمَا خَصَّ الشُّجَاعَ ؛ لِأَنَّهُ الْعَدُوُّ الثَّانِي لِلْخَلْقِ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِنَّ :﴿ مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ ﴾.
وَقَوْلُهُ : أَقْرَعُ، يَعْنِي الَّذِي ابْيَضَّ رَأْسُهُ مِنْ السُّمِّ.
وَالزَّبِيبَتَانِ : زُبْدَتَانِ فِي شِدْقَيْ الْإِنْسَانِ إذَا غَضِبَ وَأَكْثَرَ مِنْ الْكَلَامِ، قَالَتْ أُمُّ غَيْلَانَ بِنْتُ جَرِيرٍ : رُبَّمَا أَنْشَدْت أَبِي حَتَّى تَزَبَّبَ شَدْقَايَ.
ضَرَبَ مَثَلًا لِلشُّجَاعِ الَّذِي يَتَمَثَّلُ كَهَيْئَةِ الْمَالِ، فَيَلْقَى صَاحِبَهُ غَضْبَانَ.