الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْله تَعَالَى ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾ أَيْ : تَرَكُوهُ عَنْ قَصْدٍ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النِّسْيَانَ لَفْظٌ يَنْطَلِقُ عَلَى السَّاهِي وَالْعَامِدِ رَدًّا عَلَى أَهْلِ جَهَالَةٍ زَعَمُوا أَنَّ النَّاسِيَ وَالسَّاهِيَ لِمَعْنًى وَاحِدٍ.
وَهَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا مَعْرِفَةَ لَهُمْ بِاللُّغَةِ، وَقَصْدُهُمْ هَدْمُ الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَحَقَّقْنَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا ﴾.
وَقُلْنَا : مَعْنَاهُ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ تَرَكَهَا فَلْيُصَلِّهَا مَتَى ذَكَرَهَا.
فَالسَّاهِي لَهُ حَالَةُ ذِكْرٍ، وَالْعَامِدُ هُوَ أَبَدًا ذَاكِرٌ ؛ وَكُلُّ وَاحِدِ مِنْهُمْ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ فَرْضُ الْقَضَاءِ مَتَى حَضَرَهُ الذِّكْرُ دَائِمًا أَوْ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، وَبِهَذَا اسْتَقَامَ نِظَامُ الْكَلَامِ، وَاسْتَقَرَّ حُكْمُ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ.