الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : اُخْتُلِفَ فِي إحْكَامِ هَذِهِ الْآيَةِ أَوْ نَسْخِهَا قَوْله عَلَى قَوْلَيْنِ بَيَّنَّاهُمَا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي.
وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا غَيْرَ مَنْسُوخَةٍ، وَقَدْ تَكُونُ حَالَةٌ يَجِبُ فِيهَا نَفِيرُ الْكُلِّ إذَا تَعَيَّنَ الْجِهَادُ عَلَى الْأَعْيَانِ بِغَلَبَةِ الْعَدُوِّ عَلَى قُطْرٍ مِنْ الْأَقْطَارِ، أَوْ بِحُلُولِهِ بِالْعُقْرِ ؛ فَيَجِبُ عَلَى كَافَّةِ الْخَلْقِ الْجِهَادُ وَالْخُرُوجُ إلَيْهِ ؛ فَإِنْ قَصَّرُوا عَصَوْا.
وَلَقَدْ نَزَلَ بِنَا الْعَدُوُّ قَصَمَهُ اللَّهُ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَخَمْسمِائَةٍ ؛ فَجَاسَ دِيَارَنَا، وَأَسَرَ جِيرَتَنَا، وَتَوَسَّطَ بِلَادَنَا فِي عَدَدٍ هَالَ النَّاسُ عَدَدَهُ، وَكَانَ كَثِيرًا، وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مَا حَدَّدُوهُ، فَقُلْت لِلْوَالِي وَالْمُوَلَّى عَلَيْهِ : هَذَا عَدُوُّ اللَّهِ، وَقَدْ حَصَلَ فِي الشَّرَكِ وَالشَّبَكَةِ، فَلْتَكُنْ عِنْدَكُمْ بَرَكَةٌ، وَلْتَظْهَرْ مِنْكُمْ إلَى نُصْرَةِ دَيْنِ اللَّهِ الْمُتَعَيِّنَةِ عَلَيْكُمْ حَرَكَةٌ، فَلْيَخْرُجْ إلَيْهِ جَمِيعُ النَّاسِ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الْأَقْطَارِ فَيُحَاطُ بِهِ فَإِنَّهُ هَالِكٌ لَا مَحَالَةَ إنْ يَسَّرَكُمُ اللَّهُ لَهُ ؛ فَغَلَبَتْ الذُّنُوبُ، وَوَجَفَتْ الْقُلُوبُ بِالْمَعَاصِي، وَصَارَ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ ثَعْلَبًا يَأْوِي إلَى وِجَارِهِ، وَإِنْ رَأَى الْمَكْرُوهَ بِجَارِهِ ؛ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ، وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ : إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ :﴿ وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ﴾.
وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي مَوْضِعِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : إذَا كَانَ النَّفِيرُ عَامًّا لِغَلَبَةِ الْعَدُوِّ عَلَى الْحَوْزَةِ، أَوْ اسْتِيلَائِهِ عَلَى الْأُسَارَى كَانَ النَّفِيرُ عَامًّا، وَوَجَبَ الْخُرُوجُ خِفَافًا وَثِقَالًا، وَرُكْبَانًا وَرِجَالًا، عَبِيدًا وَأَحْرَارًا، مَنْ كَانَ لَهُ أَبٌ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، وَمَنْ لَا أَبَ لَهُ، حَتَّى يَظْهَرَ دَيْنُ اللَّهِ، وَتُحْمَى الْبَيْضَةُ، وَتُحْفَظَ الْحَوْزَةُ، وَيُخْزَى الْعَدُوُّ