فَاحْتَجَجْت عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ :﴿ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ ﴾، فَقَالَ : وَقَدْ قَالَ :﴿ ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ ﴾.
قَالَ أَصْبَغُ : وَذَلِكَ فِي الْبِرِّ وَالْحُرْمَةِ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ :﴿ أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك ﴾.
قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ : مَوَالِيهِمْ مِنْهُمْ لَا تَحِلُّ لَهُمْ [ الصَّدَقَةُ ].
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْوَاضِحَةِ : لَا يُعْطَى آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ التَّطَوُّعِ.
وَأَجَازَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْوَسَخَ إنَّمَا قُرِنَ بِالْفَرْضِ خَاصَّةً.
فَإِنْ قِيلَ : قَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي رَافِعٍ، ﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ رَجُلًا عَلَى الصَّدَقَةِ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ، فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ : اصْحَبْنِي، فَإِنَّك تُصِيبُ مِنْهَا ؛ فَقَالَ : حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ فَأَسْأَلَهُ.
فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ : مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ ﴾
.
وَهَذَا نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ، فَلَوْ صَحَّ لَوَجَبَ قَبُولُهُ، وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي ذَلِكَ جَوَابَانِ : الْأَوَّلُ : أَنَّ ذَلِكَ عَلَى التَّنْزِيهِ مِنْهُ.
الثَّانِي : أَنَّ أَبَا رَافِعٍ كَانَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْدُمُ وَيُطْعِمُ، فَكَرِهَ لَهُ تَرْكَ الْمَالِ الَّذِي لَمْ يُذَمَّ، وَأَخْذَهُ لِمَالٍ هُوَ أَوْسَاخُ النَّاسِ، فَكَسْبُ غَيْرِهِ أَوْلَى مِنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ : بَعَثَنِي أَبِي إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إبِلٍ أَعْطَاهَا إيَّاهُ مِنْ الصَّدَقَةِ.
قُلْنَا : لَمْ يَصِحَّ.
وَجَوَابُهُ لَوْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَسْلَفَ مِنْ الْعَبَّاسِ، فَرَدَّ إلَيْهِ مَا اسْتَسْلَفَ مِنْ الصَّدَقَةِ، فَأَكَلَهَا بِالْعِوَضِ.
وَقَدْ رَوَيْنَا ذَلِكَ مُفَسَّرًا مُسْتَوْفًى فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَجُوزُ صَرْفُ صَدَقَةِ بَنِي هَاشِمٍ إلَى فُقَرَائِهِمْ، فَيُقَالُ لَهُ : أَيَأْكُلُونَ مِنْ أَوْسَاخِهِمْ ؟ هَذَا جَهْلٌ بِحَقِيقَةِ


الصفحة التالية
Icon