الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا قَالُوهُ مِنْ ذَلِكَ جِدًّا أَوْ هَزْلًا، وَهُوَ كَيْفَمَا كَانَ كُفْرٌ ؛ فَإِنَّ الْهَزْلَ بِالْكُفْرِ كُفْرٌ، لَا خُلْفَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ، فَإِنَّ التَّحْقِيقَ أَخُو الْحَقِّ وَالْعِلْمِ، وَالْهَزْلَ أَخُو الْبَاطِلِ وَالْجَهْلِ.
قَالَ عُلَمَاؤُنَا : نَظَرُوا إلَى قَوْلِهِ :﴿ أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ ﴾.
فَإِنْ كَانَ الْهَزْلُ فِي سَائِرٍ الْأَحْكَامِ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَقَاوِيلَ، جِمَاعُهَا ثَلَاثَةٌ : الْفَرْقُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ.
الثَّانِي : لَا يَلْزَمُ الْهَزْلُ.
الثَّالِثُ : أَنَّهُ يَلْزَمُ.
فَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ : يَلْزَمُ نِكَاحُ الْهَازِلِ.
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ : لَا يَلْزَمُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ : يُفْسَخُ قَبْلُ وَبَعْدُ.
وَلِلشَّافِعِيِّ فِي بَيْعِ الْهَازِلِ قَوْلَانِ ؛ وَكَذَلِكَ يَتَخَرَّجُ مِنْ قَوْلِ عُلَمَائِنَا فِيهِ الْقَوْلَانِ.
قَالَ مُتَأَخِّرُو أَصْحَابِنَا : إنْ اتَّفَقَا عَلَى الْهَزْلِ فِي النِّكَاحِ وَالْبَيْعِ لَمْ يَلْزَمْ، وَإِنْ اخْتَلَفَا غَلَبَ الْجَدُّ الْهَزْلَ.
قَالَ الْإِمَامُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ : فَأَمَّا الطَّلَاقُ فَيَلْزَمُ هَزْلُهُ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يَتَعَلَّقُ بِالتَّحْرِيمِ وَالْقُرْبَةِ، فَيَغْلِبُ اللُّزُومُ فِيهِ عَلَى الْإِسْقَاطِ.


الصفحة التالية
Icon