الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْلُهُ :﴿ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ ﴾ : النِّفَاقُ فِي الْقَلْبِ هُوَ الْكُفْرُ، وَإِذَا كَانَ فِي الْأَعْمَالِ فَهُوَ مَعْصِيَةٌ، وَقَدْ حَقَّقْنَا ذَلِكَ فِي شَرْحِ الصَّحِيحِ وَالْأُصُولِ، وَفِيهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إذَا ائْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ ﴾.
رَوَتْهُ الصِّحَاحُ وَالْأَئِمَّةُ، وَتَبَايَنَ النَّاسُ فِيهِ حَزْقًا، وَتَفَرَّقُوا فِرَقًا، بِسَبَبِ أَنَّ الْمَعَاصِيَ بِالْجَوَارِحِ لَا تَكُونُ كُفْرًا عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ، وَلَا فِي دَلِيلِ التَّحْقِيقِ.
وَظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ صَحَّ نِفَاقُهُ وَخَلَصَ، وَإِذَا كَانَ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ كَانَتْ فِيهِ مِنْ النِّفَاقِ خَصْلَةٌ، وَخَصْلَةٌ مِنْ النِّفَاقِ نِفَاقٌ، وَعُقْدَةٌ مِنْ الْكُفْرِ كُفْرٌ، وَعَلَيْهِ يَشْهَدُ ظَاهِرُ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَالَ فِيهِ مِنْ نَكْثِهِ لِعَهْدِهِ، وَغَدْرِهِ الْمُوجِبِ لَهُ حُكْمَ النِّفَاقِ ؛ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : إنَّ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ لِمَنْ يُحَدِّثُ بِحَدِيثٍ يَعْلَمُ كَذِبَهُ، وَيَعْهَدُ بِعَهْدٍ لَا يَعْتَقِدُ الْوَفَاءَ بِهِ، وَيَنْتَظِرُ الْأَمَانَةَ لِلْخِيَانَةِ فِيهَا.
وَتَعَلَّقُوا فِيمَا ذَهَبُوا إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ بِحَدِيثٍ خَرَّجَهُ الْبَزَّارُ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ :{ دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : مِنْ خِلَالِ الْمُنَافِقِينَ ثَلَاثٌ : إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ.
فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَقِيلَيْنِ، فَلَقِيَهُمَا عَلِيٌّ فَقَالَ لَهُمَا : مَالِي أَرَاكُمَا ثَقِيلَيْنِ ؟ قَالَا : حَدِيثًا سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مِنْ خِلَالِ الْمُنَافِقِينَ إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خَانَ


الصفحة التالية
Icon