الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : قَوْله تَعَالَى ﴿ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ﴾ : يُرِيدُ بِهِ تَحْرِيمَ مُخَالَفَةِ الْعَهْدِ وَنَكْثِ الْعَهْدِ كَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ حَالُهُ.
رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ نَافِعٍ قَالَ : لَمَّا خَلَعَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ جَمَعَ ابْنُ عُمَرَ حَشَمَهُ وَوَلَدَهُ، فَقَالَ : إنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :﴿ يُنْصَبُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾، وَإِنَّا قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ عَلَى بَيْعَةِ اللَّهِ وَبَيْعَةِ رَسُولِهِ ؛ وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ غَدْرًا أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُبَايِعَ رَجُلٌ عَلَى بَيْعَةِ اللَّهِ وَبَيْعَةِ رَسُولِهِ، ثُمَّ يُنْصَبُ لَهُ الْقِتَالُ، وَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْكُمْ خَلَعَهُ، وَلَا بَايَعَ فِي هَذَا الْأَمْرِ إلَّا كَانَتْ الْفَيْصَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ.
وَقَالَ ابْنُ خَيَّاطٍ : إنَّ بَيْعَةَ عَبْدِ اللَّهِ لِيَزِيدَ كَانَتْ كُرْهًا، وَأَيْنَ يَزِيدُ مِنْ ابْنِ عُمَرَ، وَلَكِنْ رَأَى بِدِينِهِ وَعِلْمِهِ التَّسْلِيمَ لِأَمْرِ اللَّهِ، وَالْفِرَارَ عَنْ التَّعَرُّضِ لِفِتْنَةٍ فِيهَا مِنْ ذَهَابِ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ مَا لَا يَفِي بِخَلْعِ يَزِيدَ.
وَلَوْ تَحَقَّقَ أَنَّ الْأَمْرَ يَعُودُ بَعْدَهُ فِي نِصَابِهِ، فَكَيْفَ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ ذَلِكَ ؟ وَهَذَا أَصْلٌ عَظِيمٌ فَتَفَهَّمُوهُ وَالْتَزِمُوهُ تَرْشُدُوا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.


الصفحة التالية
Icon