وَالْإِمَامُ مَالِكٌ، إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِرُؤْيَةِ النَّاسِ، فَأَمَّا رُؤْيَةُ اللَّهِ فَإِنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِمَا يَسَّرَهُ، كَمَا تَتَعَلَّقُ بِمَا يُظْهِرهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تُؤْثِرُ الْحُجُبَ فِي رُؤْيَتِهِ، وَلَا تَمْنَعُ الْأَجْسَامَ عَنْ إدْرَاكِهِ.
وَفِي الْأَثَرِ ﴿ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا عَبَدَ اللَّهَ فِي صَخْرَةٍ لَا بَابَ لَهَا، وَلَا كُوَّةَ لَأَخْرَجَ اللَّهُ عَمَلَهُ إلَى النَّاسِ كَائِنًا مَا كَانَ، وَاَللَّهُ يُطْلِعُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا فِي قُلُوبِ إخْوَانِهِمْ مِنْ خَيْرٍ فَيُحِبُّونَهُ، أَوْ شَرٍّ فَيَبْغَضُونَهُ ﴾.
وَقَالَ اللَّهُ :﴿ إذَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي شِبْرًا تَقَرَّبْت إلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِذَا تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْت مِنْهُ بَاعًا، وَإِذَا أَتَانِي يَمْشِي آتَيْته أُهَرْوِلُ، وَلَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ﴾.
وَفِي الصَّحِيحِ :﴿ إذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى فِي السَّمَاءِ يَا جِبْرِيلُ ؛ إنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي جِبْرِيلُ : يَا مَلَائِكَةَ السَّمَاءِ ؛ إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ ؛ ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ، وَلَا أَرَاهُ فِي الْبُغْضِ إلَّا مِثْلَ ذَلِكَ ﴾.
إيضَاحٌ مُشْكِلٍ : قَوْلُهُ :" إذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْت مِنْهُ ذِرَاعًا مَثَلٌ ؛ لِأَنَّ الْبَارِئَ سُبْحَانَهُ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْقُرْبُ بِالْمِسَاحَةِ ؛ وَإِنَّمَا قُرْبُهُ بِالْعِلْمِ وَالْإِحَاطَةِ لِلْجَمِيعِ، وَبِالرَّحْمَةِ وَالْإِحْسَانِ لِمَنْ أَرَادَ ثَوَابَهُ.
وَقَوْلُهُ أَيْضًا : أَتَيْته أُهَرْوِلُ مِثْلُهُ فِي التَّمْثِيلِ، وَالْإِشَارَةُ بِهِ إلَى أَنَّ الثَّوَابَ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ الْعَمَلِ، فَضَرَبَ زِيَادَةَ الْأَفْعَالِ بَيْنَ الْخَلْقِ فِي الْمُجَازَاةِ عَلَى الْبَعْضِ مَثَلًا فِي زِيَادَةِ ثَوَابِهِ عَلَى أَعْمَالِهِمْ.
وَقَوْلُهُ : لَا يَزَالُ


الصفحة التالية
Icon