الْحَقُّ.
وَبِهَذَا اعْتَرَضَتْ الرَّافِضَةُ عَلَى الصِّدِّيقِ، فَقَالُوا : عَجِلَ فِي أَمْرِهِ، وَنَبَذَ السِّيَاسَةَ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَأَرَاقَ الدِّمَاءَ.
قُلْنَا : بَلْ جَعَلَ كِتَابَ اللَّهِ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَهَدْيَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْظُرُ إلَيْهِ، وَالْقُرْآنَ يَسْتَنِيرُ بِهِ، وَالسِّيَاسَةَ تُمَهِّدُ سُبُلَهَا فَإِنَّهُ قَالَ : وَاَللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ.
وَصَدَقَ الصِّدِّيقُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ :﴿ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ﴾ ؛ فَشَرْطُهُمَا، وَحَقَّقَ الْعِصْمَةَ بِهِمَا، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ ﴾.
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ حِينَ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْحَدِيثِ : فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إلَّا بِحَقِّهَا ﴾.
وَالزَّكَاةُ حَقُّ الْمَالِ، فَالصَّلَاةُ تَحْقِنُ الدَّمَ، وَالزَّكَاةُ تَعْصِمُ الْمَالَ.
وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ :﴿ أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ﴾.
وَأَمَّا السِّيَاسَةُ فَمَا عَدَاهَا فَإِنَّهُ لَوْ سَاهَلَهُمْ فِي مَنْعِ الزَّكَاةِ لَقَوِيَتْ شَوْكَتُهُمْ، وَتَمَكَّنَتْ فِي الْقُلُوبِ بِدْعَتُهُمْ، وَعَسُرَ إلَى الطَّاعَةِ صَرْفُهُمْ، فَعَاجَلَ بِالدَّوَاءِ قَبْلَ اسْتِفْحَالِ الدَّاءِ.
فَأَمَّا إرَاقَتُهُ لِلدِّمَاءِ فَبِالْحَقِّ الَّذِي كَانَ عَصَمَهَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِرَاقَةُ الدِّمَاءِ يَا مَعْشَرَ الرَّافِضَةِ فِي تَوْطِيدِ الْإِسْلَامِ وَتَمْهِيدِ الدِّينِ آكَدُ مِنْ إرَاقَتِهَا فِي طَلَبِ الْخِلَافَةِ، وَكُلٌّ عِنْدَنَا حَقٌّ، وَعَلَيْكُمْ فِي إبْطَالِ كَلَامِكُمْ، وَضِيقِ مَرَامِكُمْ خَنْقٌ.
فَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَلْتَحِقُ غَيْرُهُ