الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذِهِ الصَّدَقَةِ الْمَأْمُورِ بِهَا ؛ فَقِيلَ : هِيَ الْفَرْضُ، أَمَرَ اللَّهُ بِهَا هَاهُنَا أَمْرًا مُجْمَلًا لَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا الْمِقْدَارَ، وَلَا الْمَحَلَّ، وَلَا النِّصَابَ، وَلَا الْحَوْلَ ؛ وَبَيَّنَ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ الْمَحَلَّ وَحْدَهُ، وَوَكَّلَ بَيَانَ سَائِرِ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَتَّبَ الشَّرِيعَةَ بِالْحِكْمَةِ فِي الْعِبَادَاتِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْحَاءٍ ؛ مِنْهَا مَا يَجِبُ مَرَّةً فِي الْعُمْرِ كَالْحَجِّ، وَمِنْهَا مَا يَجِبُ مَرَّةً فِي الْحَوْلِ كَالزَّكَاةِ، وَمِنْهَا مَا يَجِبُ كُلَّ يَوْمٍ كَالصَّلَاةِ.
وَقِيلَ : الْمُرَادُ بِهَا التَّطَوُّعُ.
قِيلَ : نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ تِيبَ عَلَيْهِمْ فَرَأَوْا أَنَّ مِنْ تَوْبَتِهِمْ أَنْ يَتَصَدَّقُوا ؛ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِهَذِهِ الْأَوَامِرِ.
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ :﴿ أَتَى أَبُو لُبَابَةَ وَأَصْحَابُهُ حِينَ أُطْلِقُوا، وَتِيبَ عَلَيْهِمْ بِأَمْوَالِهِمْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذِهِ أَمْوَالُنَا فَتَصَدَّقْ بِهَا عَنَّا، وَاسْتَغْفِرْ لَنَا.
فَقَالَ : مَا أُمِرْت أَنْ آخُذَ مِنْ أَمْوَالِكُمْ شَيْئًا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ :{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ﴾
} وَكَانَ ذَلِكَ مَرْجِعَهُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ.
وَأَبُو لُبَابَةَ مِمَّنْ فَرَّطَ فِي قُرَيْظَةَ، وَفِي تَخَلُّفِهِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَحِينَ تِيبَ عَلَيْهِ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمَالِي، وَأَهْجُرَ دَارَ قَوْمِي الَّتِي أَصَبْت فِيهَا الذَّنْبَ.
﴿ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَجْزِيك الثُّلُثُ ﴾.
وَكَذَلِكَ ﴿ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ؛ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ.
قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمْسِكْ بَعْضَ مَالِك، فَهُوَ خَيْرٌ لَك ﴾
.
قَالَ : فَإِنِّي أَمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، وَلَا نَعْلَمُ هَلْ


الصفحة التالية
Icon