الْآيَةُ الثَّامِنَةُ وَالثَّلَاثُونَ قَوْله تَعَالَى ﴿ وَاَلَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إنْ أَرَدْنَا إلَّا الْحُسْنَى وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴾.
فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى الْمُنَافِقِينَ وَالْمُقَصِّرِينَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي آيَاتٍ جُمْلَةٍ، ثُمَّ طَبَّقَهُمْ طَبَقَاتٍ عُمُومًا وَخُصُوصًا، فَقَالَ :﴿ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا ﴾.
وَقَالَ :﴿ وَمِنْ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا ﴾.
﴿ وَمِنْ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ ﴾ ؛ وَهَذَا مَدْحٌ يَتَمَيَّزُ بِهِ الْفَاضِلُ مِنْ النَّاقِصِ وَالْمُحِقُّ مِنْ الْمُبْطِلِ، ثُمَّ ذَكَرَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، ثُمَّ قَالَ :﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنْ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ﴾.
وَقَالَ :﴿ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ ﴾ أَيْ اسْتَمَرُّوا عَلَيْهِ وَتَحَقَّقُوا بِهِ.
وَقَالَ : وَآخَرُونَ يَعْنِي عَلَى التَّوَسُّطِ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، ثُمَّ قَالَ :﴿ وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ ﴾ وَهُمْ نَحْوٌ مِنْ سَبْعَةٍ، مِنْهُمْ أَبُو لُبَابَةَ، وَكَعْبٌ، وَمُرَارَةُ، وَهِلَالٌ، جَعَلَهُمْ تَحْتَ الْمَشِيئَةِ وَرَجَّأَهُمْ بِالتَّوْبَةِ، مُشِيرًا إلَى الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، ثُمَّ قَالَ :﴿ وَاَلَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا ﴾.
أَسْقَطَ ابْنُ عَامِرٍ وَنَافِعٌ مِنْهُمَا الْوَاوَ، كَأَنَّهُ رَدَّهُ إلَى مَنْ هُوَ أَهْلٌ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَزَادَ غَيْرُهُمَا الْوَاوَ، كَأَنَّهُ جَعَلَهُمْ صِنْفًا آخَرَ.
وَقَدْ قِيلَ : إنَّ إسْقَاطَ الْوَاوِ تَجْعَلُهُ مُبْتَدَأً، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ بَلْ هُوَ لِمَا تَقَدَّمَ وَصْفٌ، وَلَنْ يَحْتَاجَ إلَى إضْمَارٍ، وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي الْمُلْجِئَةِ.


الصفحة التالية