الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : هَذَا ثَنَاءٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنْ أَحَبَّ الطَّهَارَةَ، وَآثَرَ النَّظَافَةَ، وَهِيَ مُرُوءَةٌ آدَمِيَّةٌ، وَوَظِيفَةٌ شَرْعِيَّةٌ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ :" مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يَسْتَطِيبُوا بِالْمَاءِ فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ ".
وَفِي الصَّحِيحِ ﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْمِلُ مَعَهُ الْمَاءَ فِي الِاسْتِنْجَاءِ، فَكَانَ يَسْتَعْمِلُ الْحِجَارَةَ تَخْفِيفًا، وَالْمَاءَ تَطْهِيرًا ﴾، وَاللَّازِمُ فِي نَجَاسَةِ الْمَخْرَجِ التَّخْفِيفُ، وَفِي نَجَاسَةِ سَائِرِ الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ التَّطْهِيرُ ؛ وَتِلْكَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ فِي حَالَتَيْ وُجُودِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ.
وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ : لَا يُسْتَجْمَرُ بِالْأَحْجَارِ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ.
وَفِعْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى.
وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الصَّحِيحَيْنِ وَمَسَائِلِ الْخِلَافِ.
وَأَمَّا إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى الْبَدَنِ أَوْ الثَّوْبِ فَلِعُلَمَائِنَا فِيهَا ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : فَقَالَ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ : يَجِبُ غَسْلُهَا بِالْمَاءِ فِي حَالَتَيْ الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ ؛ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَشْهَبُ عَنْهُ : ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ غَيْرُ وَاجِبٍ ؛ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَفْصِيلِ الْحَالَيْنِ جَمِيعًا.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ : يَجِبُ فِي حَالَةِ الذِّكْرِ دُونَ النِّسْيَانِ ؛ وَهِيَ مِنْ مُفْرَدَاتِهِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى الْوُجُوبِ الْمُطْلَقِ قَوْله تَعَالَى ﴿ وَثِيَابَك فَطَهِّرْ ﴾ ؛ فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِطَهَارَةِ ثِيَابِهِ حَتَّى إنْ أَتَتْهُ الْعِبَادَةُ وَجَدْته عَلَى حَالَةٍ مُهَيَّأَةٍ لِأَدَائِهَا.
وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ : إنَّ الثِّيَابَ كِنَايَةٌ، وَذَلِكَ دَعْوَى لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا.
وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى سُقُوطِ طَهَارَتِهَا بِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَغُسِلَ بِالْمَاءِ ؛ فَإِنَّ الْحَجَرَ لَا يُزِيلُهُ.
قُلْنَا : هَذِهِ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ أَمَرَ بِهَا، وَعَفَا عَمَّا


الصفحة التالية
Icon