الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : مَنَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ مِنْ طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ لِلْمُشْرِكِينَ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ قَدَّرَ أَلَّا تَكُونَ ؛ وَأَخْبَرَ عَنْ ذَلِكَ، وَسُؤَالِ مَا قَدَّرَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ، وَأَخْبَرَ عَنْهُ هُنَا.
فَإِنْ قِيلَ : فَقَدْ ﴿ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ كَسَرُوا رُبَاعِيَّتَهُ، وَشَجُّوا وَجْهَهُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾.
فَسَأَلَ الْمَغْفِرَةَ لَهُمْ.
قُلْنَا : عَنْهُ أَرْبَعَةُ أَجْوِبَةٍ : الْأَوَّلُ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ النَّهْيِ، وَجَاءَ النَّهْيُ بَعْدَهُ.
الثَّانِي : أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سُؤَالًا فِي إسْقَاطِ حَقِّهِ عِنْدَهُمْ، لَا لِسُؤَالِ إسْقَاطِ حُقُوقِ اللَّهِ، وَلِلْمَرْءِ أَنْ يُسْقِطَ حَقَّهُ عِنْدَ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ.
الثَّالِثُ : أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَطْلُبَ الْمَغْفِرَةَ لَهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ أَحْيَاءٌ، مَرْجُوٌّ إيمَانُهُمْ، يُمْكِنُ تَأَلُّفُهُمْ بِالْقَوْلِ الْجَمِيلِ، وَتَرْغِيبُهُمْ فِي الدِّينِ بِالْعَفْوِ عَنْهُمْ.
فَأَمَّا مَنْ مَاتَ فَقَدْ انْقَطَعَ مِنْهُ الرَّجَاءُ.
الرَّابِعُ : أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَطْلُبَ لَهُمْ الْمَغْفِرَةَ فِي الدُّنْيَا بِرَفْعِ الْعُقُوبَةِ عَنْهُمْ حَتَّى إلَى الْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ :﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾.