إلَّا عَنْ وَاحِدٍ، فَيَذْكُرَهَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ، فَيَتَذَكَّرَهَا الْجَمِيعُ ؛ فَيَكُونَ ذَلِكَ مِنْ بَدِيعِ حِفْظِ اللَّهِ لَهَا.
قَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ : وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ الْأَئِمَّةِ، فَكَيْفَ تَدَّعِي عَلَيْهِ الْوَضْعَ، وَقَدْ رَوَاهُ الْعَدْلُ عَنْ الْعَدْلِ، وَتَدَّعِي فِيهِ الِاضْطِرَابَ، وَهُوَ فِي سِلْكِ الصَّوَابِ مُنْتَظِمٌ، وَتَقُولُ أُخْرَى : إنَّهُ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَمَا الَّذِي تَضَمَّنَ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ أَوْ الْجَهَالَةِ حَتَّى يُعَابَ بِأَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرْته فِي مُعَارَضَتِهِ عَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ أَوْ عَنْ رَأْيٍ فَهُوَ الْمُضْطَرِبُ الْمَوْضُوعُ الَّذِي لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ، فَكَيْفَ يُعَارَضُ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ بِالضِّعَافِ وَالثِّقَاتُ بِالْمَوْضُوعَاتِ ؟ الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : فَإِنْ قِيلَ : فَمَا كَانَتْ هَذِهِ الْمُرَاجَعَةُ بَيْنَ الصَّحَابَةِ ؟ قُلْنَا : هَذَا مِمَّا لَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ إلَّا بِالرِّوَايَةِ، وَقَدْ عَدِمَتْ، لَا هَمَّ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ قَدْ ذَكَرَ فِي ذَلِكَ وُجُوهًا، أَجْوَدُهَا خَمْسَةٌ : الْأَوَّلُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ ذَلِكَ مَصْلَحَةً، وَفَعَلَهُ أَبُو بَكْرٍ لِلْحَاجَةِ.
الثَّانِي : أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُ فِي الصُّحُفِ الْأُولَى، وَأَنَّهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فِي مِثْلِهَا بِقَوْلِهِ :﴿ يَتْلُوا صُحُفًا مُطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ﴾ ؛ فَهَذَا اقْتِدَاءٌ بِاَللَّهِ وَبِرَسُولِهِ.
الثَّالِثُ : أَنَّهُمْ قَصَدُوا بِذَلِكَ تَحْقِيقَ قَوْلِ اللَّهِ :﴿ إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ ؛ فَقَدْ كَانَ عِنْدَهُ مَحْفُوظًا، وَأَخْبَرَنَا أَنْ يَحْفَظَهُ بَعْدَ نُزُولِهِ، وَمِنْ حِفْظِهِ تَيْسِيرُ الصَّحَابَةِ لِجَمْعِهِ، وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَى تَقْيِيدِهِ وَضَبْطِهِ.
الرَّابِعُ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْتُبُهُ كَتَبَتُهُ بِإِمْلَائِهِ إيَّاهُ عَلَيْهِمْ، وَهَلْ يَخْفَى عَلَى مُتَصَوِّرٍ مَعْنًى صَحِيحًا فِي قَلْبِهِ