وَفِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ ابْنِ أَشْرَسَ عَنْ مَالِكٍ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ قَوْمَ نُوحٍ مَلَئُوا الْأَرْضَ حَتَّى مَلَئُوا السَّهْلَ وَالْجَبَلَ، فَمَا يَسْتَطِيعُ هَؤُلَاءِ أَنْ يَنْزِلُوا إلَى هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ أَنْ يَنْزِلُوا مَعَ هَؤُلَاءِ، فَلَبِثَ نُوحُ يَغْرِسُ الشَّجَرَ مِائَةَ عَامٍ لِعَمَلِ السَّفِينَةِ، ثُمَّ جَمَعَهَا يَيْبَسُهَا مِائَةَ عَامٍ، وَقَوْمُهُ يَسْخَرُونَ مِنْهُ، وَذَلِكَ لَمَّا رَأَوْهُ يَصْنَعُ ذَلِكَ، حَتَّى كَانَ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ فِيهِمْ مَا كَانَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ وَذَلِكَ نَصٌّ فِي ذِكْرِ اللَّهِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَعَلَى كُلِّ أَمْرٍ وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ :﴿ كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَمْ يُبْدَأُ فِيهِ بِذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ أَبْتَرُ ﴾.
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ فِي كُلِّ أَحْيَانِهِ، حَتَّى قَالَ جَمَاعَةٌ : إنَّهُ يَقُولُ بِسْمِ اللَّهِ مَعَ النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ، حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَ الذِّكْرِ وَالنِّيَّةِ، وَمِنْ أَشَدِّهِ فِي النَّدْبِ ذِكْرُ اللَّهِ فِي ابْتِدَاءِ الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ، وَمِنْ الْوُجُوبِ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ عِنْدَ الذَّبْحِ، كَمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ تَعْدِيدِ مَوَاضِعِهِ.