الْآيَةُ الثَّامِنَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اُعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ إنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴾.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : نُوحٌ أَوَّلُ رَسُولٍ بَعَثَهُ اللَّهُ إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ بَعْدَ آدَمَ بِتَحْرِيمِ الْبَنَاتِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ ؛ كَذَلِكَ فِي صَحِيحِ الْأَثَرِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمَنْ قَالَ مِنْ الْمُؤَرِّخِينَ : إنَّ إدْرِيسَ كَانَ قَبْلَهُ فَقَدْ وَهِمَ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى صِحَّةِ وَهْمِهِ فِي اتِّبَاعِهِ صُحُفَ الْيَهُودِ، وَكُتُبَ الإسرائليات الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ ﴿ فِي الْإِسْرَاءِ، حِينَ لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آدَمَ وَإِدْرِيسَ، فَقَالَ لَهُ آدَم : مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ، وَالِابْنِ الصَّالِحِ.
وَقَالَ لَهُ إدْرِيسُ : مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ ﴾.
وَلَوْ كَانَ إدْرِيسُ أَبًا لِنُوحٍ عَلَى صُلْبِ مُحَمَّدٍ لَقَالَ لَهُ : مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالِابْنِ الصَّالِحِ.
فَلَمَّا قَالَ لَهُ : مَرْحَبًا بِالنَّبِيِّ الصَّالِحِ وَالْأَخِ الصَّالِحِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَجْتَمِعُ مَعَهُ فِي أَبِيهِمْ نُوحٍ، وَلَا كَلَامَ لِمُنْصِفٍ بَعْدَ هَذَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : رُوِيَ أَنَّ نُوحًا سُمِّيَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ نَاحَ عَلَى قَوْمِهِ، وَأَكْثَرُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِهِ مَعَهُمْ، وَالنَّوْحُ هُوَ الْبُكَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ، وَكَانُوا مَوْتَى فِي أَدْيَانِهِمْ لِعَدَمِ إجَابَتِهِمْ دُعَاءَهُ لَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ، وَإِبَايَتِهِمْ عَنْ قَبُولِهِمْ لِلتَّوْحِيدِ ؛ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ الِاشْتِقَاقُ يُعَضِّدُهُ مِنْ وَجْهٍ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ أَنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْأَسْمَاءِ قَبْلَ إسْمَاعِيلَ لَمْ تَكُنْ عَرَبِيَّةً.
أَمَّا إنَّ ذِكْرَ الْعُلَمَاءِ لِذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَسْأَلَةٍ ؛ وَهِيَ جَوَازُ اشْتِقَاقِ الْأَسْمَاءِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ مِنْ الْأَفْعَالِ الَّتِي يَتَكَسَّبُونَهَا، إذَا لَمْ تَكُنْ عَلَى طَرِيقِ الذَّمِّ، { وَهَذَا