الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : فِي مَحَلِّ الْأَنْفَالِ : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : مَحَلُّهَا الْخُمُسُ.
الثَّانِي : مَحَلُّهَا مَا عَادَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَوْ أُخِذَ بِغَيْرِ حَرْبٍ.
الثَّالِثُ : رَأْسُ الْغَنِيمَةِ حَسْبَمَا يَرَاهُ الْإِمَامُ.
قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ : قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا سُئِلَ عَنْ شَيْءٍ قَالَ : لَا آمُرُك وَلَا أَنْهَاك.
فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ : وَاَللَّهِ مَا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا إلَّا مُحَلِّلًا وَمُحَرِّمًا.
قَالَ الْقَاسِمُ : فَسُلِّطَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَجُلٌ فَسَأَلَهُ عَنْ النَّفَلِ ؛ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : الْفَرَسُ مِنْ النَّفَلِ، وَالسِّلَاحُ مِنْ النَّفَلِ.
وَأَعَادَ عَلَيْهِ الرَّجُلُ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى أَغْضَبَهُ.
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : أَتَدْرُونَ مَا مِثْلُ هَذَا ؟ مِثْلُ صَنِيعِ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ حَتَّى سَالَتْ الدِّمَاءُ عَلَى عَقِبَيْهِ أَوْ عَلَى رِجْلَيْهِ، س فَقَالَ الرَّجُلُ : أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ انْتَقَمَ اللَّهُ مِنْك لِابْنِ عُمَرَ.
وَقَالَ السُّدِّيُّ وَعَطَاءٌ : هِيَ مَا شَذَّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ :﴿ سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخُمُسِ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ ؛ فَقَالَ الْمُهَاجِرُونَ : لِمَنْ يُدْفَعُ هَذَا الْخُمُسُ ؟ لَمْ يَخْرُجْ مِنَّا.
فَنَزَلَتْ :{ يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَنْفَالِ ﴾ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِنْ الْخُمُسِ، } كَمَا رُوِيَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ الْإِمَامَ يُعْطِي مِنْهُ مَا شَاءَ مِنْ سَلَبٍ أَوْ غَيْرِهِ ؛ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ، وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ.
فَأَمَّا هَذَا السُّؤَالُ هَاهُنَا فَإِنَّمَا هُوَ عَنْ أَصْلِ الْغَنِيمَةِ الَّتِي نَفْلٌ عَلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَنَا مِنْ الْحَلَالِ عَلَى الْأُمَمِ.
الْمَعْنَى : يَسْأَلُك أَصْحَابُك يَا مُحَمَّدٌ عَنْ هَذِهِ الْغَنِيمَةِ الَّتِي نَفَّلْتُكهَا.
قُلْ لَهُمْ : هِيَ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تَخْتَلِفُوا، وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، لِئَلَّا يُرْفَعَ تَحْلِيلُهَا عَنْكُمْ