الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ ﴾.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ :﴿ وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ ﴾ : كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا :﴿ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً ﴾ وَالْجَمَالُ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَشَرْحِ الْحَدِيثِ، وَأَوْضَحْنَا أَنَّهُ يَكُونُ فِي الصُّورَةِ وَتَرْكِيبِ الْخِلْقَةِ، وَيَكُونُ فِي الْأَخْلَاقِ الْبَاطِنَةِ، وَيَكُونُ فِي الْأَفْعَالِ.
فَأَمَّا جَمَالُ الْخِلْقَةِ فَهُوَ أَمْرٌ يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ، فَيُلْقِيهِ إلَى الْقَلْبِ مُتَلَائِمًا، فَتَتَعَلَّقُ بِهِ النَّفْسُ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِوَجْهِ ذَلِكَ وَلَا بِسَبَبِهِ لِأَحَدٍ مِنْ الْبَشَرِ.
وَأَمَّا جَمَالُ الْأَخْلَاقِ فَبِكَوْنِهَا عَلَى الصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ، وَالْعَدْلِ وَالْعِفَّةِ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ، وَإِرَادَةِ الْخَيْرِ لِكُلِّ وَاحِدٍ.
وَأَمَّا جَمَالُ الْأَفْعَالِ فَهُوَ وُجُودُهَا مُلَائِمَةً لِصَالِحِ الْخَلْقِ، وَقَاضِيَةً بِجَلْبِ الْمَنَافِعِ إلَيْهِمْ، وَصَرْفِ الشَّرِّ عَنْهُمْ.
وَجَمَالُ الْأَنْعَامِ وَالدَّوَابِّ مِنْ جَمَالِ الْخِلْقَةِ مَحْسُوبٌ، وَهُوَ مَرْئِيٌّ بِالْأَبْصَارِ، مُوَافِقٌ لِلْبَصَائِرِ، وَمِنْ جَمَالِهَا كَثْرَتُهَا.
فَإِذَا وَرَدَتْ الْإِبِلُ عَلَى الذُّرَى سَامِيَةَ الذُّرَى هَجْمَاتٍ هِجَانًا تَوَافَرَ حُسْنُهَا، وَعَظُمَ شَأْنُهَا، وَتَعَلَّقَتْ الْقُلُوبُ بِهَا.
إذَا رَأَيْت الْبَقَرَ نِعَاجًا تَرِدُ أَفْوَاجًا أَفْوَاجًا، تَقَرُّ بِقَرِيرِهَا، مَعَهَا صُلُّغُهَا وَأَتَابِعُهَا، فَقَدْ انْتَظَمَ جَمَالُهَا وَانْتِفَاعُهَا.
وَإِذَا رَأَيْت الْغَنَمَ فِيهَا السَّالِغُ وَالسَّخْلَةُ، وَالْغَرِيضُ وَالسَّدِيسُ صُوفُهَا أَهْدَلُ، وَضَرْعُهَا مُنْجَدِلٌ، وَظَهْرُهَا مُنْسَجِفٌ، إذَا صَعِدَتْ ثَنِيَّةً مَرَعَتْ، وَإِذَا أَسْهَلَتْ عَنْ رَبْوَةٍ طَمَرَتْ، تَقُومُ بِالْكِسَاءِ، وَتَقَرُّ عَلَى الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ، وَتَمْلَأُ الْحِوَاءَ سَمْنًا وَأَقِطًا، بَلْهَ الْبَيْتِ، حَتَّى يَسْمَعَ الْحَدِيثَ عَنْهَا كَيْتَ وَكَيْتَ، فَقَدْ قَطَعْت عَنْك لَعَلَّ وَلَيْتَ.