دَلِيلًا عَلَى جَوَازِ مَا دُونَ الْمُسْكِرِ مِنْ النَّبِيذِ، فَإِذَا انْتَهَى إلَى السُّكْرِ لَمْ يَجُزْ ؛ قَالَهُ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَعَضَّدُوا رَأْيَهُمْ هَذَا مِنْ السُّنَّةِ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :﴿ حَرَّمَ اللَّهُ الْخَمْرَ لِعَيْنِهَا وَالسُّكْرَ مِنْ غَيْرِهَا ﴾.
وَبِمَا رُوِيَ أَيْضًا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُنْبَذُ لَهُ فَيَشْرَبُهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ، فَإِذَا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ سَقَاهُ الْخَدَمَ إذَا تَغَيَّرَ، وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا سَقَاهُ إيَّاهُمْ.
فَالْجَوَابُ أَنَّا نَقُولُ : قَدْ عَارَضَ عُلَمَاؤُنَا هَذِهِ الْأَحَادِيثَ بِمِثْلِهَا، فَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :﴿ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ ﴾ خَرَّجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَجَوَّدَهُ، وَثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ عَنْ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ قَالَ :﴿ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ ﴾.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، مَا أَسْكَرَ الْفَرَقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ ﴾.
وَرُوِيَ :﴿ فَالْحَسْوَةُ مِنْهُ حَرَامٌ ﴾.
وَقَدْ ثَبَتَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ بِاتِّفَاقٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :﴿ إنَّ مِنْ الْحِنْطَةِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنْ الشَّعِيرِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنْ التَّمْرِ خَمْرًا، وَإِنْ مِنْ الزَّبِيبِ خَمْرًا، وَإِنَّ مِنْ الْعَسَلِ خَمْرًا ﴾.
خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ.
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَإِنْ كَانَ قَالَهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ شَرْعٌ مُتَّبَعٌ، وَإِنْ كَانَ أَخْبَرَ بِهِ عَنْ اللُّغَةِ فَهُوَ حُجَّةٌ فِيهَا، لَا سِيَّمَا وَهُوَ نَطَقَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ مَا بَيْنَ أَظْهُرِ الصَّحَابَةِ، فَلَمْ يَقُمْ مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ.
جَوَابٌ آخَرُ : أَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ اللَّهَ