إلَى مَا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ كُلَّهُ مِنْهُ ؟ وَلَكِنَّهُ إنَّمَا يُرَاعَى مَسَاقُ الْكَلَامِ وَمَنْحَى الْقَوْلِ، وَقَدْ حَسَمَ النَّبِيُّ فِي ذَلِكَ ذَا الْإِشْكَالِ، وَأَزَاحَ وَجْهَ الِاحْتِمَالِ حِينَ أَمَرَ الَّذِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ بِشُرْبِ الْعَسَلِ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُ بِأَنَّ الْعَسَلَ لَمَّا سَقَاهُ إيَّاهُ مَا زَادَهُ إلَّا اسْتِطْلَاقًا أَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَوْدِ الشُّرْبِ لَهُ، وَقَالَ لَهُ :﴿ صَدَقَ اللَّهُ، وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيك ﴾.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾ : اُخْتُلِفَ فِي مَحْمَلِهِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : هُوَ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَلِكُلِّ أَحَدٍ، كَمَا سُقْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَعَوْفٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّهُ عَلَى الْعُمُومِ بِالتَّدْبِيرِ ؛ إذْ يُخْلَطُ الْخَلُّ بِالْعَسَلِ وَيَطْبُخُ، فَيَأْتِي شَرَابًا يَنْفَعُ فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ كُلِّ دَاءٍ.
وَقَدْ اتَّفَقَ الْأَطِبَّاءُ عَنْ بَكْرَةِ أَبِيهِمْ عَلَى مَدْحِ عُمُومِ مَنْفَعَةِ السَّكَنْجَبِينِ فِي كُلِّ مَرَضٍ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إنَّ ذَلِكَ عَلَى الْخُصُوصِ، وَلَيْسَ هَذَا بِأَوَّلِ لَفْظٍ عَامٍّ حُمِلَ عَلَى مَقْصِدٍ خَاصٍّ ؛ فَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِنْهُ، وَلُغَةُ الْعَرَبِ يَأْتِي فِيهَا الْعَامُّ كَثِيرًا بِمَعْنَى الْخَاصِّ، وَالْخَاصُّ بِمَعْنَى الْعَامِّ ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الشَّاعِرِ : وَتَرَاكِ أَمْكِنَةٌ إذَا لَمْ أَرْضَهَا أَوْ يَرْتَبِطْ بَعْضَ النُّفُوسِ حِمَامُهَا وَالْمُرَادُ كُلُّ النُّفُوسِ ؛ إذْ لَا تَخْلُو نَفْسٌ مِنْ ارْتِبَاطِ الْحِمَامِ لَهَا.
وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يَجْرِي عَلَى نِيَّةِ كُلِّ أَحَدٍ، فَمَنْ قَوِيَتْ نِيَّتُهُ، وَصَحَّ يَقِينُهُ فَفَعَلَ فِعْلَ عَوْفٍ وَابْنِ عُمَرَ وَجَدَهُ كَذَلِكَ، وَمَنْ ضَعُفَتْ نِيَّتُهُ وَغَلَبَتْهُ عَلَى الدِّينِ عَادَتُهُ أَخَذَهُ مَفْهُومًا عَلَى قَوْلِ الْأَطِبَّاءِ، وَالْكُلُّ مِنْ حُكْمِ الْفَعَّالِ لِمَا يَشَاءُ.


الصفحة التالية
Icon