الطَّائِفِ غَلَاءً فِي الْقِيمَةِ، وَاعْتِلَاءً فِي الصِّفَةِ، وَحُسْنًا فِي الْبَشَرَةِ.
وَلَمْ يُعَدَّ ذَلِكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَفًا وَلَا رَآهُ سَرَفًا ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا امْتَنَّ اللَّهُ بِهِ مِنْ نِعَمِهِ، وَأَذِنَ فِيهِ مِنْ مَتَاعِهِ، وَظَهَرَتْ وُجُوهُ مَنْفَعَتِهِ فِي الِاكْتِنَانِ وَالِاسْتِظْلَالِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ عَنْهُ جِنْسُ الْإِنْسَانِ.
وَمِنْ غَرِيبِ مَا جَرَى أَنِّي زُرْت بَعْضَ الْمُتَزَهِّدِينَ مِنْ الْغَافِلِينَ مَعَ بَعْضِ رِجَالِ الْمُحَدِّثِينَ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فِي خِبَاءِ كَتَّانٍ، فَعَرَضَ عَلَيْهِ صَاحِبِي الْمُحَدِّثُ أَنْ يَحْمِلَهُ إلَى مَنْزِلِهِ ضَيْفًا، وَقَالَ : إنَّ هَذَا مَوْضِعٌ يَكْثُرُ فِيهِ الْحَرُّ، وَالْبَيْتُ أَرْفَقُ بِك، وَأَطْيَبُ لِنَفْسِي فِيك.
فَقَالَ لَهُ : هَذَا الْخِبَاءُ لَنَا كَثِيرٌ، وَكَانَ فِي صِنْفِهَا مِنْ الْحَقِيرِ.
فَقُلْت لَهُ : لَيْسَ كَمَا زَعَمْت، قَدْ كَانَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ رَئِيسُ الزُّهَّادِ قُبَّةٌ مِنْ أَدَمٍ طَائِفِيٍّ يُسَافِرُ مَعَهَا، وَيَسْتَظِلُّ بِهَا، فَبَهَتَ وَرَأَيْته عَلَى مَنْزِلَةٍ مِنْ الْعِيِّ، فَتَرَكْته مَعَ صَاحِبِي، وَخَرَجْت عَنْهُ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ :﴿ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا ﴾ : أَذِنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِالِانْتِفَاعِ بِصُوفِ الْغَنَمِ، وَوَبَرِ الْإِبِلِ، وَشَعْرِ الْمَعْزِ، كَمَا أَذِنَ فِي الْأَعْظَمِ، وَهُوَ ذَبْحُهَا وَأَكْلُ لُحُومِهَا.
كَمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَ لَنَا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا، وَعَلِمَ كَيْفِيَّةَ الِانْتِفَاعِ بِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ :﴿ أَثَاثًا ﴾ : هُوَ كُلُّ مَا يَحْتَاجُ الْمَرْءُ إلَى اسْتِعْمَالِهِ مِنْ آلَةٍ، وَيَفْتَقِرُ إلَيْهِ فِي تَصْرِيفِ مَنَافِعِهِ مِنْ حَاجَةٍ، وَمِنْهُ أَثَاثُ الْبَيْتِ، وَأَصْلُهُ مِنْ الْكَثْرَةِ، يُقَالُ : أَثَّ النَّبْتُ يَئِثُّ، إذَا كَثُرَ، وَكَذَلِكَ الشَّعْرُ يُقَالُ : شَعْرٌ أَثِيثٌ، إذَا كَانَ كَثِيرًا مُلْتَفًّا.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْلُهُ :﴿ وَمَتَاعًا ﴾ : وَهُوَ كُلُّ مَا


الصفحة التالية
Icon