هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا لَا هِيَ سَقَتْهَا وَلَا أَطْعَمَتْهَا وَلَا أَرْسَلَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ }.
وَيُقَالُ : الْإِحْسَانُ أَلَّا تَتْرُكَ لِأَحَدٍ حَقًّا، وَلَا تَسْتَوْفِيَ مَا لَك.
وَقَدْ ﴿ قَالَ جِبْرِيلُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا الْإِحْسَانُ ؟ قَالَ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّك تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاك ﴾.
وَهَذَا إشَارَةٌ إلَى مَا تَعْتَقِدُهُ الصُّوفِيَّةُ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْحَقِّ فِي كُلِّ حَالٍ، وَالْيَقِينُ بِأَنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلَيْك ؛ فَلَيْسَ مِنْ الْأَدَبِ أَنْ تَعْصِيَ مَوْلَاك بِحَيْثُ يَرَاك.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى ﴾ : يَعْنِي : فِي صِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِيفَاءِ الْحُقُوقِ ؛ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : الْعَدْلُ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ.
وَكَذَلِكَ يَلْزَمُ إيتَاءُ حُقُوقِ الْخَلْقِ إلَيْهِمْ.
وَإِنَّمَا خَصَّ ذَوِي الْقُرْبَى ؛ لِأَنَّ حُقُوقَهُمْ أَوْكَدُ، وَصِلَتَهُمْ أَوْجَبُ، لِتَأْكِيدِ حَقِّ الرَّحِمِ الَّتِي اشْتَقَّ اللَّهُ اسْمَهَا مِنْ اسْمِهِ، وَجَعَلَ صِلَتَهَا مِنْ صِلَتِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : الْفَحْشَاءُ : وَذَلِكَ كُلُّ قَبِيحٍ، مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، وَغَايَتُهُ الزِّنَا ؛ وَالْمُنْكَرُ مَا أَنْكَرَهُ الشَّرْعُ بِالنَّهْيِ عَنْهُ ؛ وَالْبَغْيُ هُوَ الْكِبْرُ وَالظُّلْمُ وَالْحَسَدُ وَالتَّعَدِّي، وَحَقِيقَتُهُ تَجَاوُزُ الْحَدِّ، مِنْ بَغَى الْجُرْحُ.
فَهَذِهِ سِتُّ مَسَائِلَ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ : هَذِهِ أَجْمَعُ آيَةٍ فِي الْقُرْآنِ لِخَيْرٍ يُمْتَثَلُ وَشَرٍّ يُجْتَنَبُ، وَأَرَادَ مَا قَالَ قَتَادَةُ : إنَّهُ لَيْسَ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْمَلُونَ بِهِ إلَّا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ، وَلَا مِنْ خُلُقٍ سَيِّئٍ كَانُوا يَتَعَايَرُونَهُ بَيْنَهُمْ إلَّا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ، وَأَنْ يُرِيدَ الْخَيْرَ لِلْخَلْقِ كُلِّهِمْ ؛ إنْ كَانَ مُؤْمِنًا فَيَزْدَادُ إيمَانًا، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَيَتَبَدَّلُ إسْلَامًا، وَمُوَالَاةُ الْخَلْقِ بِالْبِشْرِ وَالسِّيَاسَةِ.
وَلِهَذَا يُرْوَى أَنَّ عِيسَى عَرَضَ لَهُ كَلْبٌ أَوْ خِنْزِيرٌ فَقَالَ لَهُ :