الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ فِيهَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ قَوْلُهُ :﴿ أَمَرْنَا ﴾ : فِيهَا مِنْ الْقِرَاءَاتِ ثَلَاثُ قِرَاءَاتٍ : الْقِرَاءَةُ الْأُولَى : أَمَرْنَا بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ.
الْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ : بِتَشْدِيدِهَا.
الْقِرَاءَةُ الثَّالِثَةُ : آمَرْنَا بِمَدٍّ بَعْدَ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ.
فَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الْأُولَى : فَهِيَ الْمَشْهُورَةُ، وَمَعْنَاهُ أَمَرْنَاهُمْ بِالْعَدْلِ، فَخَالَفُوا، فَفَسَقُوا بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ، فَهَلَكُوا بِالْكَلِمَةِ السَّابِقَةِ الْحَاقَّةِ عَلَيْهِمْ.
وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ الثَّانِيَةُ : بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ : فَهِيَ قِرَاءَةُ عَلِيٍّ، وَأَبِي الْعَالِيَةِ، وَأَبِي عَمْرٍو، وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، وَمَعْنَاهُ كَثَّرْنَاهُمْ، وَالْكَثْرَةُ إلَى التَّخْلِيطِ أَقْرَبُ عَادَةً.
وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْمَدِّ فِي الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ فَهِيَ قِرَاءَةُ الْحَسَنِ، وَالْأَعْرَجِ، وَخَارِجَةَ عَنْ نَافِعٍ.
وَيَكُونُ مَعْنَاهُ الْكَثْرَةُ ؛ فَإِنَّ أَفْعَلَ وَفَعَّلَ يُنْظَرَانِ فِي التَّصْرِيفِ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْإِمَارَةِ، أَيْ جَعَلْنَاهُمْ أُمَرَاءَ، فَإِمَّا أَنْ يُرِيدَ مِنْ جَعْلِهِمْ وُلَاةً فَيَلْزَمُهُمْ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ، فَيُقَصِّرُونَ فِيهِ فَيَهْلِكُونَ.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَنَّ كُلَّ مَنْ مَلَكَ دَارًا وَعِيَالًا وَخَادِمًا فَهُوَ مَلَكٌ وَأَمِيرٌ، فَإِذَا صَلُحَتْ أَحْوَالُهُمْ أَقْبَلُوا عَلَى الدُّنْيَا وَآثَرُوهَا عَلَى الْآخِرَةِ فَهَلَكُوا، وَمِنْهُ الْأَثَرُ :﴿ خَيْرُ الْمَالِ سِكَّةٌ مَأْبُورَةٌ وَمُهْرَةٌ مَأْمُورَةٌ ﴾ : أَيْ كَثِيرَةُ النَّتَاجِ، وَإِلَيْهِ يَرْجِعُ قَوْلُهُ :﴿ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إمْرًا ﴾.
أَيْ عَظِيمًا.
وَالْقَوْلُ فِيهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مُتَقَارِبٌ مُتَدَاخِلٌ ؛ وَقَدْ قَدَّمْنَا الْقَوْلَ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ بِمَا يُغْنِي عَنْ


الصفحة التالية
Icon