قَبْلَكُمْ يَمْشُونَ إذْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ، فَأَوَوْا إلَى غَارٍ فَانْطَبَقَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : يَا هَؤُلَاءِ، لَا يُنْجِيكُمْ إلَّا الصِّدْقُ، فَلْيَدْعُ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِمَا يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّهُ قَدْ صَدَقَ : فَقَالَ أَحَدُهُمْ : اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَجِيرٌ، عَمِلَ لِي عَلَى فَرْقِ أُرْزٍ، فَذَهَبَ وَتَرَكَهُ، فَزَرَعْته، فَصَارَ مِنْ أَمْرِهِ أَنِّي اشْتَرَيْت مِنْ ذَلِكَ الْفَرْقِ بَقَرًا، ثُمَّ أَتَانِي يَطْلُبُ أَجْرَهُ، فَقُلْت لَهُ : اعْمِدْ إلَى تِلْكَ الْبَقَرِ، فَسُقْهَا فَإِنَّهَا مِنْ ذَلِكَ الْفَرْقِ فَسَاقَهَا.
فَإِنْ كُنْت فَعَلْت ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِك فَفَرِّجْ عَنَّا، فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ.
فَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكَانَتْ لِي غَنَمٌ، وَكُنْت آتِيهِمَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ بِلَبَنِ غَنَمٍ لِي، فَأَبْطَأْت عَنْهُمَا ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَأَتَيْتهمَا وَقَدْ رَقَدَا وَأَهْلِي وَعِيَالِي يَتَضَاغَوْنَ مِنْ الْجُوعِ، وَكُنْت لَا أَسْقِيهِمْ حَتَّى يَشْرَبَ أَبَوَايَ، فَكَرِهْت أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ رَقْدَتِهِمَا، وَكَرِهْت أَنْ أَرْجِعَ فَيَسْتَيْقِظَا لِشُرْبِهِمَا، فَلَمْ أَزَلْ أَنْتَظِرُهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَقَامَا فَشَرِبَا، فَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْت ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِك فَفَرِّجْ عَنَّا، فَانْسَاحَتْ عَنْهُمْ الصَّخْرَةُ، حَتَّى نَظَرُوا إلَى السَّمَاءِ.
فَقَالَ الْآخَرُ : اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَتْ لِي ابْنَةُ عَمٍّ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إلَيَّ، وَإِنِّي رَاوَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَأَبَتْ عَلَيَّ إلَّا أَنْ آتِيَهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَطَلَبْتهَا حَتَّى قَدَرْت عَلَيْهَا، فَجِئْت بِهَا فَدَفَعْتهَا إلَيْهَا فَأَمْكَنَتْنِي مِنْ نَفْسِهَا، فَلَمَّا قَعَدْت بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ لِي : اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إلَّا بِحَقِّهِ.
فَقُمْت عَنْهَا، وَتَرَكْت لَهَا الْمِائَةَ دِينَارٍ فَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنِّي تَرَكْت ذَلِكَ مِنْ خَشْيَتِك فَافْرِجْ عَنَّا، فَفَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَخَرَجُوا يَمْشُونَ }