الْآيَةُ السَّابِعَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾.
فِيهَا ثَلَاثُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ ﴿ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ : أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟ قَالَ : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَك.
قَالَ : ثُمَّ أَيُّ ؟ قَالَ : أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَك خَشْيَةَ أَنْ يُطْعَمَ مَعَك ﴾.
وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ وَحَدِيثٌ صَحِيحٌ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَتْلَ أَعْظَمُ الذُّنُوبِ ؛ إذْ فِيهِ إذَايَةُ الْجِنْسِ، وَإِيثَارُ النَّفْسِ، وَتَعَاطِي الْوَحْدَةِ الَّتِي لَا قِوَامَ لِلْعَالَمِ بِهَا، وَتَخَلُّقُ الْجِنْسِيَّةِ بِأَخْلَاقِ السَّبُعِيَّةِ، وَإِذَا كَانَتْ مَعَ قُوَّةِ الْأَسْبَابِ فِي جَارٍ أَوْ قَرِيبٍ، وَالْوَلَدُ أَلْصَقُ الْقَرَابَةِ، وَأَعْظَمُ الْحُرْمَةِ، فَيَتَضَاعَفُ الْإِثْمُ بِتَضَاعُفِ الْهَتْكِ لِلْحُرْمَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : وَكَانَ مَوْرِدُ هَذَا النَّهْيِ فِي الْمَقْصِدِ الْأَكْبَرِ أَهْلَ الْمَوْءُودَةِ الَّذِينَ كَانُوا يَرَوْنَ قَتْلَ الْإِنَاثِ مَخَافَةَ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِنَّ، وَعَدَمَ النُّصْرَةِ مِنْهُنَّ، وَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ فَعَلَ فِعْلَهُمْ مِنْ قَتْلِ وَلَدِهِ إمَّا خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَسْبَابِ ؛ لَكِنَّ هَذَا أَقْوَى فِيهَا.
وَقَدْ قَدَّمَنَا بَيَانَ الْقَوْلِ فِي جَرَيَانِ الْقِصَاصِ بَيْنَ الْأَبِ وَالِابْنِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ هَاهُنَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ :﴿ إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا ﴾.
الْخَاءُ وَالطَّاءُ وَالْهَمْزَةُ تَتَعَلَّقُ بِالْقَصْدِ، وَبِعَدَمِ الْقَصْدِ، تَقُولُ : خَطِئْت إذَا تَعَمَّدْت، وَأَخْطَأْت إذَا تَعَمَّدْت وَجْهًا وَأَصَبْت غَيْرَهُ، وَقَدْ يَكُونُ الْخَطَأُ مَعَ عَدَمِ الْقَصْدِ، وَهُوَ مَعْنًى مُتَرَدِّدٌ كَمَا بَيَّنَّا، لِقَوْلِهِ :﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلَّا خَطَأً ﴾