الْمُهْمَلَتَيْنِ فَهُوَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ بِهِ أُمَّتُهُ، لِاسْتِحَالَةِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ شَرْعًا بِالْخَبَرِ الْوَارِدِ الصَّادِقِ فِي تَنْزِيهِهِمْ عَنْهَا.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ : إنَّ مَعْنَاهُ وَاذْكُرْ رَبَّك بِالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْيَمِينِ لِيَرْتَفِعَ عَنْك الْحَرَجُ دُونَ الْكَفَّارَةِ فَهُوَ تَحَكُّمٌ بِغَيْرِ دَلِيلٍ.
فَتَبَيَّنَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي مَعْنَى الْآيَةِ إرَادَةُ الِاسْتِثْنَاءِ الَّذِي يَرْفَعُ الْيَمِينَ الْمُنْعَقِدَةَ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَهِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَدَتْ فِي الْيَمِينِ بِهِ خَاصَّةً لَا تَتَعَدَّاهُ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ، وَهِيَ : الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُمْ فَقَالُوا : إنَّ الِاسْتِثْنَاءَ نَافِعٌ فِي كُلِّ يَمِينٍ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهَا يَمِينٌ تَنْعَقِدُ مُطْلَقَةً، فَإِذَا قَرَنَ بِهَا ذِكْرَ اللَّهِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ كَانَ ذَلِكَ مَانِعًا انْعِقَادَهَا، كَالْيَمِينِ بِاَللَّهِ.
وَمُعَوِّلُ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى أَنَّ مَشِيئَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ إنَّمَا تُعْلَمُ بِوُقُوعِ الْفِعْلِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مَا يَشَاءُ، فَإِذَا قَالَ : أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقَدْ كَانَ الطَّلَاقُ بِوُجُودِ الْمَشِيئَةِ ؛ لِأَنَّ وُجُودَ الْفِعْلِ عَلَامَةٌ عَلَيْهَا، وَهَذَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ السُّنَّةِ، وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.


الصفحة التالية
Icon