الْآيَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْله تَعَالَى :﴿ إنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾.
فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي مَعْنَى قَوْلِهِ :﴿ لِذِكْرِي ﴾ وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ : الْأَوَّلُ : أَقِمْ الصَّلَاةَ، لَأَنْ تَذْكُرَنِي قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
الثَّانِي : أَقِمْ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي لَك بِالْمَدْحِ.
الثَّالِثُ : أَقِمْ الصَّلَاةَ إذَا ذَكَرْتنِي.
وَقَرَأَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ وَرُوِيَتْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَقِمْ الصَّلَاةَ لِلذِّكْرِ، وَقُرِئَ : لِلذِّكْرَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : لَا خِلَافَ فِي أَنَّ الذِّكْرَ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إلَى الضَّمِيرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى الْفَاعِلِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إلَى ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ.
وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :﴿ مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا ﴾ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ : أَقِمْ الصَّلَاةَ لِلذِّكْرَى، وَلِذِكْرِي، وَمَعْنَى قَوْلِهِ : لِلذِّكْرَى إذَا ذَكَّرْتُك بِهَا، وَلِتَذْكُرَنِي فِيهَا، وَلِذِكْرِي لَك بِهَا.
فَإِنْ قِيلَ : الذِّكْرُ مَصْدَرٌ فِي الْإِثْبَاتِ، وَلَا يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ.
قُلْنَا : بَلْ يَحْتَمِلُ الْعُمُومَ، كَمَا تَقُولُ : عَجِبْت مِنْ ضَرْبِي زَيْدًا، إذَا كَانَ الضَّرْبُ الْوَاقِعُ بِهِ عَامًّا فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الضَّرْبِ، فَيَكُونُ الْعُمُومُ فِي كَيْفِيَّاتِ الضَّرْبِ وَمُتَعَلِّقَاتِهِ، وَالْإِثْبَاتُ فِي النَّكِرَةِ الَّتِي لَا تَعُمُّ مَا يَتَنَاوَلُ الْأَشْخَاصَ.