الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى :﴿ إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾.
فِيهَا سِتُّ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي سَبَبِ نُزُولِهَا : رُوِيَ ﴿ أَنَّهَا نَزَلَتْ حِينَ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ عَامَ سِتٍّ، فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنْ دُخُولِ الْبَيْتِ، وَمَنَعُوهُ، فَقَاضَاهُمْ عَلَى الْعَامِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَقَضَى عُمْرَتَهُ فِي مَكَانِهِ، وَنَحَرَ هَدْيَهُ، وَحَلَقَ رَأْسَهُ، وَرَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ﴾.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ :﴿ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ﴾ فِيهِ قَوْلَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمَسْجِدَ نَفْسَهُ، دُونَ الْحَرَمِ ؛ وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ.
الثَّانِي : أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْحَرَمَ كُلَّهُ ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ صَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ عَنْهُ، فَنَزَلَ خَارِجًا مِنْهُ فِي الْحِلِّ، وَعَيَّرَهُمْ اللَّهُ بِذَلِكَ، وَدَلَّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ :﴿ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ﴾، فَصِفَةُ الْحَرَامِ تَقْتَضِي الْحَرَمَ كُلَّهُ، ؛ لِأَنَّهُ بِصِفَتِهِ فِي التَّحْرِيمِ، وَآخِذٌ بِجَزَاءٍ عَظِيمٍ مِنْ التَّكْرِمَةِ وَالتَّعْظِيمِ بِإِجْمَاعٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَوْله تَعَالَى :﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ﴾، وَكَانَ الْحَرَمُ مِثْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ حَرِيمُهُ، وَحَرِيمُ الدَّارِ مِنْ الدَّارِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ :﴿ جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ ﴾ يُرِيدُ خَلَقْنَاهُ لَهُمْ، وَسَمَّيْنَاهُ، وَوَضَعْنَاهُ شَرْعًا وَدِينًا، وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْجَعْلِ وَتَصَرُّفَاتِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ :﴿ سَوَاءً الْعَاكِفُ ﴾.
يَعْنِي الْمُقِيمَ، وَكَذَلِكَ اسْمُهُ فِي اللُّغَة.
وَالْبَادِي : يُرِيدُ