الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ :﴿ وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ ﴾ يَعْنِي الَّتِي انْضَمَّ جَنْبَاهَا مِنْ الْهُزَالِ حَتَّى أَكَلَتْهَا الْفَيَافِي، وَرَعَتْهَا الْمَفَازَاتُ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ مِنْهَا أَوَانَ انْفِصَالِهِ مِنْ بَلَدِهِ عَلَى بَدَنٍ، فَإِنَّ حَرْبَ الْبَيْدَاءِ وَمُعَالَجَةَ الْأَعْدَاءِ رَدَّهَا هِلَالًا، فَوَصَفَهَا اللَّهُ بِالْمَآلِ الَّذِي انْتَهَتْ عَلَيْهِ إلَى مَكَّةَ.
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ :﴿ يَأْتِينَ ﴾ رَدَّ الضَّمِيرَ إلَى الْإِبِلِ تَكْرِمَةً لَهَا ؛ لِقَصْدِهَا الْحَجَّ مَعَ أَرْبَابِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى :﴿ وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا ﴾ فِي خَيْلِ الْجِهَادِ تَكْرِمَةً لَهَا حِينَ سَعَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْلُهُ :﴿ عَمِيقٍ ﴾ يَعْنِي بَعِيدٌ، وَبِنَاءُ " عَمُقَ " لِلْبُعْدِ قَالَ الشَّاعِرُ يَصِفُ قَفْرًا : وَقَاتِمُ الْأَعْمَاقِ خَاوِي الْمُحْتَرَقِ يُرِيدُ بِالْأَعْمَاقِ الْأَبْعَادَ تَرَى عَلَيْهَا قَتَامًا يُخْتَرَقُ مِنْهَا جَوًّا خَاوِيًا، وَتَمْشِي فِيهِ كَأَنَّك وَإِنْ كُنْت مُصْعِدًا هَاوٍ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ بِئْرٌ عَمِيقَةٌ، أَيْ بَعِيدَةُ الْقَعْرِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُ ﴿ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَجَّ قَبْلَ الْهِجْرَةِ حَجَّتَيْنِ، وَحَجَّ حَجَّةَ الْوَدَاعِ ثَالِثَةً ﴾، وَظَنَّ قَوْمٌ أَنَّ حَجَّهُ كَانَ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ وَدَعْوَتِهِ، وَإِنَّمَا حَجَّ عَلَى دِينِهِ وَمِلَّتِهِ تَنَفُّلًا بِالْعِبَادَةِ، وَاسْتِكْثَارًا مِنْ الطَّاعَةِ، فَلَمَّا جَاءَهُ فَرْضُ الْحَجِّ بَعْدَ تَمَلُّكِهِ لِمَكَّةَ وَارْتِفَاعِ الْعَوَائِقِ، وَتَطْهِيرِ الْبَيْتِ، وَتَقْدِيسِ الْحَرَمِ، قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ لِيُقِيمَ لِلنَّاسِ حَجَّهُمْ، ثُمَّ أَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِي الْعَامِ الثَّانِي، وَقَدْ قَدَّمْنَا وَجْهَ تَأْخِيرِهِ إلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ قَبْلُ.


الصفحة التالية
Icon